وقد سبق أن ذكرنا أن أحمد بن حنبل كره بيع السلاح في الفتنة، سَدًّا لذريعة الفساد، ولكن البخاري مال إلى سلامة هذا البيع وعدم كراهته، بدليل الترجمة التي قال فيها: (بَابُ بَيْعِ السِّلاَحِ فِي الفِتْنَةِ وَغَيْرِهَا وَكَرِهَ عِمْرَانُ بْنُ حُصَيْنٍ بَيْعَهُ فِي الفِتْنَةِ). قال ابن بطال: «إِنَّمَا كُرِهَ بَيْعُ السِّلاَحِ فِي الفِتْنَةِ، لأَنَّهُ مِنْ بَابِ التَّعَاوُنِ عَلَى الإِثْمِ، وَمِنْ ثَمَّ كَرِهَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ بَيْعَ العِنَبِ مِمَّنْ يَتَّخِذُهُ خَمْرًا، وَذَهَبَ مَالِكٌ إِلَى فَسْخِ البَيْعِ. وَكَأَنَّ المُصَنِّفَ [أَشَارَ] إِلَى خِلاَفِ الثَّوْرِيِّ [فِي ذَلِكَ حَيْثُ] قَالَ: " بِعْ حَلاَلَكَ مِمَّنْ شِئْتَ "» (?) مُحْتِجًّا بعموم الآيات المبيحة للبيع، كقوله تعالى: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ} [البقرة: 275].
والواقع أن البخاري إنما يقرر رأيه هو، ثم يشير إلى من خالفه فكره هذا البيع، وقد رأى البخاري أنه لا بأس بهذا البيع، بدليل الحديث الذي رواه في هذا الباب والذي يفيد جواز بيع السلاح في أثناء الحديث الذي رواه في هذا الباب والذي يفيد جواز بيع السلاح في أثناء المعارض. وهو ما رواه عَنْ أَبِي قَتَادَةَ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - قَالَ: «خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَامَ حُنَيْنٍ، فَأَعْطَاهُ - يَعْنِي دِرْعًا -[فَبِعْتُ] الدِّرْعَ، فَابْتَعْتُ بِهِ مَخْرَفًا فِي بَنِي سَلِمَةَ، فَإِنَّهُ لأَوَّلُ مَالٍ تَأَثَّلْتُهُ فِي الإِسْلاَمِ». أما الحيل، فقد أجمع المحدثون على تحريمها، ووقفوا من رفضها موقفًا متحدًا. ولما كان القول بالحيل مشهورًا عن أهل الرأي، وكان ذلك مما أدرجه أهل الحديث في قائمة اتهامهم لهم - أجلنا البحث فيها إلى الباب القادم، حيث إنها تشكل جانبًا هامًا من موضوعات الخلاف بين المحدثين وأهل الرأي.
وقبل أن ننتقل إلى هذا الباب، نلمح إلماحة يسيرة إلى الاتجاه الأخير عند المحدثين، وهو: