«إِذَا وَلَغَ فِي إِنَاءٍ لَيْسَ لَهُ وَضُوءٌ غَيْرُهُ يَتَوَضَّأُ بِهِ» وَقَالَ سُفْيَانُ: «هَذَا الفِقْهُ بِعَيْنِهِ، يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا} [النساء: 43] وَهَذَا مَاءٌ، وَفِي النَّفْسِ مِنْهُ شَيْءٌ، يَتَوَضَّأُ بِهِ وَيَتَيَمَّمُ» (?).

هذه هي الحيطة في مفهوم البخاري، ولكن نطاقها لا يتسع عنده حتى تشمل مثلاً تحريم أو كراهة الاستنشاق أو المبالغة فيه للصائم، حتى لا يكون ذريعة إلى الفطر، بل نراه على العكس من ذلك يبقى العام على عمومه، فيقول: (بَابُ قَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إِذَا تَوَضَّأَ، فَلْيَسْتَنْشِقْ بِمَنْخِرِهِ المَاءَ» وَلَمْ يُمَيِّزْ بَيْنَ الصَّائِمِ وَغَيْرِهِ ... فَإِنِ اسْتَنْثَرَ، فَدَخَلَ المَاءُ حَلْقَهُ لاَ بَأْسَ، [لَمْ] يَمْلِكْ) (?).

ويبدو أن البخاري لم ير صحة الحديث المروي في ذلك، فقد روى الترمذي في (بَابُ مَا جَاءَ فِي كَرَاهِيَةِ مُبَالَغَةِ الاِسْتِنْشَاقِ لِلصَّائِمِ) عَنْ عَاصِمِ بْنَ لَقِيطِ بْنِ صَبِرَةَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَخْبِرْنِي عَنِ الوُضُوءِ؟ قَالَ: «أَسْبِغِ الوُضُوءَ، وَخَلِّلْ بَيْنَ الأَصَابِعِ، وَبَالِغْ فِي الاِسْتِنْشَاقِ، إِلَّا أَنْ تَكُونَ صَائِمًا».

قال الترمذي: «هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ. وَقَدْ كَرِهَ أَهْلُ العِلْمِ السُّعُوطَ لِلصَّائِمِ، وَرَأَوْا أَنَّ ذَلِكَ يُفْطِرُهُ، وَفِي [الحَدِيثِ] مَا يُقَوِّي قَوْلَهُمْ» (?). ورواه النسائي.

ويلاحظ أن البخاري لم ير بأسًا بالسعوط، ونقل ذلك عن الحسن في الباب السابق، بشرط ألا يصل إلى الحلق.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015