الخلاف بينهما كان نتيجة عدم الدقة في تحديد موضوع النزاع، بسبب الخلط بين الاعتبارات المتعددة للسنة.

فالذين رأوا أن القرآن والسنة في مرتبة واحدة، هي مرتبة النصوص، نظروا إلى السنة باعتبار أنها صادرة من الرسول المبلغ عن ربه، والذي لا ينطق عن الهوى، فالقرآن ما كان يظهر للناس لولا تبليغ الرسول - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إياه. وكلمات الرسول وبيانه وهديه في أحاديثه - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هي وحي أيضًا، أو اجتهاد أقره الله فتلحق بالوحي. وكما نسمع للرسول - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ونصدقه ونطيعه فيما يبلغه لنا على أنه قرآن من عند الله يجب علينا بدرجة مساوية، أن نسمع للرسول ونطيعه فيما يبلغه لنا على أنه سنة.

وهذه النظرة إلى السنة لا ينكرها أحد، بل يعتنقها مخالفوهم ويحتجون لها.

والذين ذهبوا إلى أن الكتاب مقدم على السنة نظروا إلى السنة من جهة الرواية وطريق الثبوت، فرأوها مجموعة من الأخبار قد رويت بطريق لا يخلو من الاحتمال، ورأوا أن القرآن قد أحيط منذ البداية بكل صنوف الرعاية والحفظ، وأنه قد تواتر تواترًا يفيد العلم اليقيني، فما يفيده القرآن يكون قطعيًا وما تفيده السنة لا يرقى إلى ما يفيده القرآن.

ولا ينكر أحد هذه الموازنة بين السنة والقرآن من حيث الرواية ودرجة الثبوت.

أما الذين ذهبوا إلى أن السنة مقدمة على الكتاب فيريدون بذلك أن ما جاء في القرآن من عموم أو إطلاق أو إجمال أو غير ذلك، إنما يكون فهم معناه والعمل به متوافقًا على ما جاءت به السنة من بيان وإيضاح، وبيانها

طور بواسطة نورين ميديا © 2015