حينئذ هو خير البيان وأولاه بالاتباع، لأنه عن مصدر التشريع، ومن أجل هذا يجب ألا يقتصر على ظاهر القرآن حتى يضم إليه ما جاءت به السنة، التي قد تصرفه عن ظاهره، أو تخصص عمومه أو تقيد مطلقه، أو توضح ما فيه من إجمال، ولا شك أن هذه تنطوي على الحق، ويقررها المخالفون.
ليس بين هذه الاتجاهات إذن خلافات جوهرية أو عميقة، ولكنها مع ذلك أدت إلى الخلاف حول عدد من الموضوعات، كما إذا تعارض ظاهر الكتاب مع ظاهر السنة، هل يقدم الكتاب، أم السنة؟ (?).
ويجدر بنا أن نشير إلى أن المحدثين لم يميلو إلى الاتجاه الذي يقدم الكتاب على السُنَّةِ، بل انحصر ميلهم في الاتجاهين الآخرين، فذهب أكثرهم إلى تقديم السُنَّةِ على الكتاب، وذهب القليل منهم إلى أنهما في مرتبة متساوية، كالإمام أحمد بن حنبل والإمام البخاري: فابن حنبل رأى أَنَّهُمَا نُصُوصٌ يُكَمِّلُ بَعْضُهَا بَعْضًا، ولم يستسغ ما يقال من أن السُنَّةَ قَاضِيَةٌ عَلَى الكِتَابِ، فأبى أن يُرَدِّدَهُ وقال: «مَا أَجْسُرُ عَلَى هَذَا أَنْ أَقُولَهُ، وَلَكِنِّي أَقُولُ: إِنَّ السُّنَّةَ تُفَسِّرُ الْكِتَابَ وَتُبَيِّنُهُ» (?).