الاتجاه إلى الآثار اتجاه أصيل عند أهل الحديث، وظاهرة مشتركة بينهم وقد قرر ابن جريج هذا الاتجاه عندما تحدى أبا حنيفة بقوله: «اجْهَدْ جَهْدَكَ، هَاتِ مَسْأَلَةً لاَ أَرْوِي لَكَ فِيهَا شَيْئًا» (?)، كما يقرره ابن حنبل أيضًا في كلمته التي رفض فيها الرأي، وحصر الحجة في الآثار: «... وَإِنَّمَا الحُجَّةُ فِي الآثَارِ» (?).
هذا الذي قرر ابن جريج وابن حنبل يشير إلى منهج أهل الحديث في هذا الشأن، ويدل على وفرة الآثار التي اجتهد فيها المحدثون في جمعها، حتى أصبح ميسورًا لهم أنْ يجيبوا عن كثير من المسائل التي يفرعها أهل الرأي، دون أنْ يضطروا إلى القياس الذي يكرهونه. ولذلك حرص المحدثون عَلَى أَنْ يُبَيِّنُوا أهمية الآثار، فَرَوَوْا طرفًا من أقوال التابعين والعلماء في الدعوة إلى الأخذ بها، وتقديمها على الرأي والقياس. مِنْ ذَلِكَ:
قَوْلُ شُرَيْحٍ: «إنَّ السُنَّةَ سَبَقَتْ قِيَاسَكُمْ، فَاتَّبِعُوا وَلاَ تَبْتَدِعُوا، فَإِنَّكُمْ لَنْ تَضِلُّوا مَا أَخَذْتُمْ بِالأَثَرِ».
وقول الشعبي: «إِنَّمَا هَلَكْتُمْ حِينَ تَرَكْتُمْ الآثَارَ، وَأَخَذْتُمْ بِالمَقَايِيسِ».
وقول ابن سيرين: «كَانُوا يَرَوْنَ أَنَّهُ عَلَى الطَّرِيقِ مَا دَامَ عَلَى الأَثَرِ».
وقول سفيان: «إِنَّمَا الدِّينُ الآثَارُ».