أولاً: الخلط في مصادر تلقي الدين.
فنحن نتلقى الدين من مصادره النقية: الكتاب والسنة، أي: ما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم، وأما هم فلا، وقد يدعون هذه الدعوى، لكن عند التحقيق تجدهم يجعلون للمقررات العقلية ولأفكار البشر وللنظريات وللفلسفات مقاماً كبيراً في الاستمداد يستمدون منها دينهم.
فترى بعض كبار المتكلمين القدامى -وهو مشهور- يقول: أنا أستمد من الكتاب والسنة، وفي كتابه يستدل بكلام أرسطو طاليس في ثوابت الدين، لا في أمور علمية نظرية! المقدم: هل يستدلون بالكتاب والسنة للاعتضاد أم للاعتماد؟ الشيخ: يما خالفوا فيه أهل الحق يجعلون الدليل الشرعي فيه دليلاً ثانوياً غالباً، بل قد يردونه، وغالباً تكون استدلالاتهم بالشرع -كما تفضلت- للمساندة، فالدليل الشرعي عندهم مساند، والأصل هو الدليل العقلي الذي هو آراؤهم، فيقررون مقررات في أذهانهم، ثم يحاولون أن يستدلوا لها من الكتاب والسنة، وهذا انحراف.
المقدم: ألا يمكن أن نقول -لتوضيح هذه المسألة بمثال تطبيقي-: هناك في المتكلمين من يرى أن هناك صفات عقلية وصفات خبرية، فالصفات العقلية يثبتها والصفات الخبرية ينفيها، مع أن الصفات العقلية والخبرية كلها ورد بها النص؟ الشيخ: نعم، هذا مثال صحيح.
فالخلط في مصادر التلقي أول المناهج العامة للعقلانيين.
ولهذا يعتمدون على الرأي، ويسمون نتائجه مقررات عقلية أو قواطع عقلية، وهي نتائج مبنية على الفلسفة، وعلى النظريات، وعلى آراء المستشرقين، بل على بعض كتب الأدب وكتب التاريخ أحياناً إلخ.