ثانياً: الخطأ في منهج الاستدلال.
ومن هنا تأتي العقدة الرئيسة عندهم، التي جعلت كثيراً من الناس يغترون بهم، ذلك أنهم يرون أنه إذا كان العقل هو الذي ينظر في الشرع؛ فهو المحكم، وهو الأول، وهو المقدم، فعندما يظهر للإنسان أن الشرع يعارض العقل فالعقل هو المقدم.
المقدم: هذا القانون الكلي عند الرازي.
الشيخ: أي نعم، هو القانون الكلي عند الفلاسفة، ثم أخذه الرازي وغير الرازي؛ لأنهم اعتبروا دلالة العقل قطعية، ودلالة الشرع ظنية نسأل الله السلامة، وهذا خذلان، وأرجو أن نتأمل هذه العبارة، فهذه مقدمات فاسدة؛ والذي لا يتأملها قد يكون ضحية هذه المقدمات.
وهذه المقدمة حقها أن تقلب تماماً، فهم يقولون: المقررات العقلية قواطع، أي: قطعيات لا شك فيها، هكذا زعموا.
نعم هناك من الأمور العقلية ما هو قاطع، لكن هل تكون المقررات العقلية قواطع فيما غاب عن العقول؟!
صلى الله عليه وسلم لا.
وهل تكون المقررات العقلية قواطع والشرع ظنياً، وإذا تعارض القطعي -وهو عقولهم وآراؤهم- مع الظني -وهو كلام الله وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم- قدم القطعي وهو العقل؟! ولذلك نقول لهم: عقل من يتبع؟! عقلي أم عقلك؟! أنا لا أطيعك، فتفكيرك خاص بك، وتفكيري خاص بي.
المقدم: بأي تفكير وبأي عقل نسير؟ الشيخ: لأنهم يتوهمون أن هناك عقولاً مجردة.
المقدم: كبار الفلاسفة اختلفوا في أمور جوهرية.
الشيخ: الفلاسفة هم الخراصون الذين ذمهم الله عز وجل، وحتى لا يكون هناك لبس عند بعض الناس أنبه على أن مصطلح (الفلاسفة) يطلق على العلماء التطبيقيين، الذين يقوم علمهم على الحس والتجربة، وهؤلاء لا نشك في أن مبدأهم صحيح إذا قام على أسس سليمة، ولذا كان الفلاسفة القدامى يجمعون بين الأمرين: يجمعون بين الخوض في الغيبيات والتخرص، وبين التجارب العلمية الحقيقية؛ ولذلك فاقوا في الطب والكيمياء والفيزياء، وكان لهم نظريات نفعت البشرية.
كما يطلق المصطلح نفسه على الوجه الآخر المذموم، وهو الخوض في الغيب، فنحن في الجانب التطبيقي لا نعترض على مقررات الفلسفة العلمية التي منها الرياضيات وغيرها، فهذه مقررات ثبت فيها مشاعة بين البشرية ثبتت بالعلم.
لكن الجانب المذموم هو استعمال عقولهم وتفكيراتهم في أمور ليس للعقل فيها مدخل، وهي أمور الدين.