المقدم: لكنا نرى أن من أتباع الفرق كل منهم ينسب نفسه إلى منهج صحابي، فيقول: أنا أتبع الصحابي الفلاني، أو المجموعة الفلانية من الصحابة يدعمون هذا الرأي أو هذه العقيدة التي أنا أنتمي إليها.
الشيخ: بعد التحقيق الحاصل من أئمة السلف، ثم عرض الموضوع على أي إنسان يدعي البحث العلمي والتجرد والتحقيق والتثبت أقول له: أتحداه في أن يصل ببحث علمي مؤصل تتوافق فيه شروط البحث العلمي إلى هذه النتيجة، وهي أن أحداً من الصحابة كان قدوة لفرقة من فرق الابتداع.
ولا يوجد عند الصحابة مذهب يوافق أي فرقة من الفرق التي خرجت عن السنة، إلا بالتلبيس والتدليس والافتراء، وهذا أمر آخر.
وقد يكون السبب اللبس، فأغلب الفرق تدعي أنها على مذهب بعض الصحابة.
المقدم: وهذه دعوى.
الشيخ: أو طائفة من الصحابة، ولنأخذ على سبيل المثال: الصوفية الطرقية، فهؤلاء يدعون أنهم أخذوا كثيراً من أحوالهم وعقائدهم وطرقهم من أهل الصفة، وعند المقارنة نجد البون شاسعاً، فلا علاقة لأهل الصفة من الصحابة رضي الله عنهم بهؤلاء الصوفية على الإطلاق، بل العكس هو الصحيح.
المقدم: هل أخذوها من كونهم عبدوا الله في الصفة؟ الشيخ: ذكروا لهم أشياء ما حدثت، وكذلك بعض السمات العامة المشتركة بين جميع من يسلكون هذا المسلك من البشر، مثلاً: يوجد فيمن ينتحلون التصوف من يميل إلى الزهد والفقر، وأهل الصفة زهاد وفقراء، ولكنهم ليسوا منهج هؤلاء، فالزهد والفقر حالة توجد حتى في الكفار.
المقدم: ليست مقصودة منهم لذلك.
الشيخ: ليست منهجاً تعبدياً، فالزهد توفيق من الله عز وجل، الزهد الشرعي يهبه الله لمن يشاء، وليس خاصاً بأهل الصفة، لكنهم كانوا أكثر عرضة للفقر، فزهد أهل الصفة يختلف عن هؤلاء في أحوالهم ومقاماتهم ودعواهم، هذا مثال.
المثال الآخر: أن المعتزلة يدعون أنهم سموا معتزلة لأنهم على مذهب الذين اعتزلوا الفتنة من الصحابة رضي الله عنهم لما وقعت الفتنة بين معاوية وعلي رضي الله عنهما، فهناك فئة من الصحابة لم يتبين لهم وجه الحق؛ فاعتزلوا الجميع في ذلك الوقت، فقد يصفهم بعض الناس بأنهم معتزلة.
لكن المعتزلة التي خرجت عن السنة والجماعة ليست على مذهب هؤلاء، فرءوس هؤلاء المعتزلة صرحوا بسبِّ رءوس الصحابة الذين تبنوا قضية اعتزال الفتنة كـ ابن عمر، وابن عمر رضي الله عنهما أشهر من اعتزل الفتنة، أليس كذلك؟ المقدم: بلى.
الشيخ: أو من أشهر من اعتزل من الصحابة، ويدعي متأخرة المعتزلة أنهم على مذهبه وغيره، في حين أن عمرو بن عبيد شيخ المعتزلة يقول عن ابن عمر: ما كان ابن عمر إلا حشوياً.
أو نحو هذا الكلام، و (حشوي) يعني: أنه مجسم، والتجسيم كفر.
وقال عن تابعي التابعين الذين كانوا أنداداً لـ عمرو بن عبيد، وهم الذين كانوا على مذهب ابن عمر رضي الله عنهما ومذهب الذين اعتزلوا الفتنة من الصحابة: هؤلاء أنجاس أرجاس.
فهذه مفارقات، لكن الله عز وجل يكشفهم.
والوقت لا يتسع للتمثيل، إنما هو إشارة إلى أن كل فرقة تنتحل مسلك طائفة من الصحابة كذباً وافتراءً بالنوع أو بالأشخاص؛ فبالنوع مثل الذين ينتحلون مسلك آل البيت.
المقدم: سيأتينا كلام حول هذا.
الشيخ: وهذه مسألة ثانية.
المقدم: أو مسلك أشخاص معينين.
الشيخ: أي نعم، كـ ابن عمر أو أبي ذر كما يقول الاشتراكيون، ولذا كتبوا كتابات عن اشتراكية أبي ذر، مع أن أبا ذر بريء من الاشتراكية بمفهومها المعاصر.