دعوى تعدد مشارب عقيدة أهل السنة ومصادرها

شيخنا الكريم! النقاش في هذه الحلقة عن مواقف الاتجاهات العقلانية المعاصرة من عقيدة السلف أهل السنة والجماعة.

بداية دعني أسألك: هل عقيدة السلف متعددة المشارب؟ أي: هل مصادرها متعددة؟ الشيخ: الحقيقة أن هذه دعوة يثيرها كثيرون، ولعل أول من أثارها بشكل مقنن -إن صح التعبير- هم المستشرقون، فالمستشرقون يرون أن الإسلام كله خليط من مشارب اليهودية والنصرانية والمؤثرات البيئية، وأن الإسلام استفاد مما عند العرب، سواء الجانب العقدي والجانب الأخلاقي والجانب التعاملي، ومما عند غير العرب من الأمم المجاورة، فزعموا أن الإسلام خليط من عدة مشارب، وهذا الزعم نفسه تبناه كثير من أصحاب الاتجاهات الفكرية والعقلانية منذ زمن، وأصحاب الأفكار العصرانية خاصة، فهم يزعمون أن منهج السلف هو نتيجة مؤثرات كثيرة، من ضمنها المؤثرات الشخصية، أي: نزعات الأشخاص الذين هم أئمة السلف.

ثم يقولون أيضاً: هو نتيجة تأثير البيئة، أي: ما عند الناس من تقاليد وأعراف، سواء العرب والعجم الذين دخلوا في الإسلام، ونظراً لأنهم لا يفرقون بين عقيدة السلف الصافية وبين عقائد المتكلمين -وأحياناً يخلطون بينهما- زعموا أن العقيدة تطورت من خلال التاريخ، والتطور في سنن الحياة وفي العلوم الاجتهادية وفي البحوث العلمية البحتة كائن، لكن العقائد ليس فيها تطور.

المهم أنهم زعموا أن عقيدة السلف -كغيرها- تطورت فتأثرت بالمؤثرات البيئية والجغرافية والسياسية، وبتدخل السلاطين، وبتدخل الأهواء والفلسفات إلى آخره، فشكلت خليطاً بزعمهم، وهذا عن من يحسن منهم النظرة إلى عقيدة السلف، فيزعم أن عقيدة السلف شكلت خليطاً من هذه المؤثرات، وهذا كله جهل، فعقيدة السلف -والمقصود بها الثوابت- ليس لها مصدر إلا الكتاب والسنة، أي: الوحي المعصوم.

المقدم: هل مع المستشرقين حق في قولهم: إن الإسلام استفاد من الأديان السابقة، اليهودية والنصرانية؟ الشيخ: هم يستغلون بعض وجوه التشابه في الديانات؛ ليجعلوها برهاناً لهم على تأثر الإسلام، بتلك الديانات، وهذا راجع إلى أنهم لا يؤمنون بالإسلام أصلاً، ومن ناحية أخرى: لا يفقهون الدين، وقد يكون عندهم معلومات، ولكنها معلومات لا تنظمها قواعد، بل تنظمها منطلقاتهم الشخصية، كل واحد منهم له منطلق شخصي ديني وبيئي وعقلي، أعني: المستشرقين.

وكذلك من أخذوا بمنهجهم من المستغربين الذين هم العقلانيون، فهؤلاء ينطلقون من خلفيات معينة ومن قناعات معينة ومن قلة الفقه في الدين.

إنَّ الإسلام عقيدة وشريعة، فالعقيدة هي عقيدة الأنبياء جميعاً، ولذلك يوجد في العقيدة الإسلامية ما هو موجود في البقية الباقية في التوراة والإنجيل، فهما محرفان، لكن يوجد فيهما إشارة إلى النبي صلى الله عليه وسلم وبعثته، ويوجد فيهما إشارة إلى الإيمان بالبعث، ويوجد فيهما إشارة إلى بعض الإلهيات.

المقدم: الوصايا العشر؟ الشيخ: الوصايا العشر وغيرها، يوجد بعض الحق في التوراة والإنجيل قرره الإسلام على وجه أصفى وأكمل، وبعيد عن الغبش والخلط، فظنوا أن هذا الاقتران والتشابه يعني الاستمداد، والحال أن النبي صلى الله عليه وسلم ما استمد شيئاً إلا مما أوحى به إليه ربه عز وجل، فهذا نوع من اللبس والالتباس والتلبيس حيث لبسوا على الناس بحكم وجود وجوه التشابه، حتى فيما يتعلق بالأخلاقيات وبعض الأحكام، بل حتى فيما يتعلق بمشابهة الفقه الإسلامي لبعض الدساتير أو الأنظمة الوضعية من بعض وجوه التشابه، فجعلوه وسيلة أو ذريعة للقول بأن الإسلام خليط من مصادر شتى.

المقدم: هل تأثر منهج السلف مع الهجمة الفلسفية في عهد المأمون وما تبعه من العصور بالمناهج الكلامية والفلسفية؟ الشيخ: لا، فالسلف لا يملكون أن يجددوا في ثوابت الدين شيئاً، السلف الصالح يتميز منهجهم في العقيدة بأنهم أخذوا بمنهاج النبوة، لا يزيدون ولا ينقصون، ولا أحد يملك أن يزيد أو ينقص في العقيدة السلفية، عقيدة أهل السنة والجماعة؛ لأنها هي الحق، وهي الإسلام الذي ثبت بخصائص الثوابت نفسها، لذا لا يمكن أن يتصور هذا عقلاً ولا شرعاً من أجل أن نقول مثل هذه المقالة، فعقيدة السلف عبارة عن ثوابت لا دخل لاجتهادات السلف فيها فضلاً عن غيرهم.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015