المقدم: من الشعارات التي نريد أن نتحدث حولها -شيخ ناصر - شعار نسمعه كثيراً في وسائل الإعلام، حتى في مجالس الناس، وهو (الرأي والرأي الآخر)، فهل هو شعار حقيقي؟ الشيخ: الشعارات ينبغي أن تؤخذ دائماً بشيء من الموضوعية والتقعيد، لكن الحقيقة أنَّ أصحاب هذه الاتجاهات العلمانية واللبرالية ونحوها من الذين ليس عندهم فقه للإسلام حقيقي، والذين مواقفهم تجاه الإسلام سلبية جزئياً أو كلياً يجمعهم الإطار العام، فأكبر وسيلة عندهم: التشكيك في ثوابت الأمة ودينها، سواء أكانت عقدية أم علمية أم سلوكية، مثل الحجاب، ومثل قضايا المرأة، ومثل قضايا الشباب، ومثل قضايا الحرية الفردية إلخ.
فهذه القضايا يطرحون فيها أفكاراً تنافي الإسلام وتضاده مضادة حادة بدعوى الرأي وحرية الرأي، أو الرأي والرأي الآخر؛ ولذلك ليس من المناسب أن نطرح القضايا تفصيلاً.
أنا أريد أن أذكر إخواني بقواعد شرعية، وهي أيضاً عقلية فطرية يدركها كل إنسان، حتى لو لم يتفقه في الدين، ذلك أن نأخذ شعار الرأي والرأي الآخر -أو ما يسمونه أحياناً (حرية الرأي) - بمنطق عقلي.
فهل كل مصالح الأمة وقضاياها الكبرى في دينها وأمنها ومستقبلها وتخصصات المتخصصين فيها خاضعة لكل رأي؟ المقدم: لا.
الشيخ: هل كل قضية فيها رأي ورأي آخر؟ المقدم: لا.
الشيخ: إن أي أمة عندها ثوابت، فما معنى الثوابت؟ معنى الثوابت: الأصول القطعية التي استقرت، فلا تقبل الرأي؛ لأنها فوق الرأي، فهل ثوابتنا الإسلامية فوق الرأي لأننا نحتقر عقول الناس أو لأننا نصادر حرياتهم؟! المقدم: لا، بل لأنها من الله عز وجل.
الشيخ: لأنها من الله الحكيم الخبير، تعبدنا بها، ولأنها فوق مداركنا، فلو أخذناها بأسلوب علمي موضوعي لوجدناها فوق مداركنا.
فهل أركان الإيمان تدركها مداركنا تفصيلاً؟! المقدم: لا.
الشيخ: وهل أركان الإسلام تدركها مداركنا تفصيلاً؟ المقدم: لا.
الشيخ: بل شرعها الله، وهذا نموذج للثوابت.
إذاً: فهذه الثوابت ليس فيها رأي ورأي آخر، فالرأي والرأي الآخر لا يمكن أن يمس ثوابت أمة ذات دين باق كامل تكفل الله بحفظه، بل لا يجوز ولا يسوغ أن يدخل الرأي والرأي الآخر في القضايا القطعية في مصالح الأمة العظمى التي قررها الإسلام.
مثلاً: المرجعية الشرعية هي الرجوع إلى الراسخين في العلم الذين قرن الله عز وجل طاعتهم بطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم وطاعة أولي الأمر، فهذه القضية محسومة، فالاجتهاديات الكبرى التي تحتاج إلى الرسوخ في العلم من الثوابت عندنا أن مرجعها العلماء.
وكذلك مسألة حفظ الأمن، فهذه تنبني على طاعة السلطان وطاعة الأمير، فهذه أيضاً مقررات شرعية هي ثوابت.
فالسلطان المسلم تجب طاعته بالمعروف، والسمع له وحفظ الأمن تحت لوائه، والدعاء له، والنصح، وكثير من هؤلاء يرون مناصحة ولاة الأمر نوعاً من السذاجة.
المقدم: لماذا يرونها سذاجة؟ الشيخ: لأنه ينبغي عندهم أن تقاوم -بزعمهم- الاتجاهات السياسية التي يتبناها الحكام بتيارات سياسية تكافئ هذه السلطات، يعني: منازعة السلطان، إما منازعة بالقوة وهذا قليل، وإما منازعة بالإثارة والتصعيد، ومنازعة بالغوغائية، أو طرح الأطروحات السياسية التي تؤدي للتصادم مع الحاكم.
المقدم: لكن بعض الدول عندها في نظامها أو في دستورها السماح للمعارضة بأن تشكل نفسها، وأن تعارض بعض المبادئ وبعض القوانين معارضة، وأيضاً معارضة قانونية في إطار معين تحكمه تلك الدولة.
الشيخ: هذه أمور لا أستطيع أن أدخل في تفاصيلها، لكن في الإجمال أقول: كل ما يخالف الشرع من هذه الأمور يجب العدول عنه، وأغلب الدول تطرح الطرح السياسي على نمط الغرب، وفي الوقت نفسه لا تمارس هذه الأطروحات السياسية كما يمارسها الغرب، وهذه ازدواجية في العالم الإسلامي الآن، فأغلب الدول الإسلامية -ما عدا بعض الدول القليلة التي دستورها ونظامها يقوم على شرع الله، كهذه الدولة المباركة: المملكة العربية السعودية نسأل الله أن يثبتها على الحق، وأن ينصرها- أكثر هذه الدول تمارس تعاملها مع شعوبها بالدساتير الغربية، وهي دساتير مستوردة، وفي نفس الوقت لا تطبقها، فهي تعمل بازدواجية يدركها الآن كل إنسان، حتى الساذج في الشارع يدرك هذا.
إذاً: فوجود اختراق الأسس الشرعية في الأنظمة ليس حجة علينا.
المقدم: كأنك ترى -يا شيخ- أن الأمور التي هي من دين الله، ومن القطعيات والثوابت لا يمكن أن يدخل فيها مسألة الرأي والرأي الآخر.
الشيخ: نعم.