وأما أهل السنة أهل الحق يعرفون للعقل قدره؛ فهو مناط التكليف، وهو أعظم وسيلة منحها الله الإنسان لفقه شرع الله، ومعرفة الواجبات المجملة، أعني الواجبات التي تتعلق بحق الله عز وجل، وواجبات الإنسان في هذا الكون على ضوء شرع الله، فهذا العقل له مكانته وله قدره، وهو الوسيلة لأئمة الدين لفهم شرع الله، وتطبيقه في الحياة.
إذاً: مكانته عندهم لا شك في أنها عالية، ولكن لا يعطونه أكثر من قدره.
المقدم: هذا رد على الفلاسفة وأهل الكلام؟ الشيخ: أي نعم، ولا يجعلون العقل يعيش في متاهات لا طاقة له بها؛ إذ العقل لا يعرف تفاصيل الغيب، ولا يدرك أسرار القدر، فمن هنا أعطوا العقل كرامته، ومن كرامة العقل ألا يقحم فيما لا يطيقه.
ومن هنا اتهمهم الخصوم بأنهم ردوا تقريرات العقل حينما لم يقبلوا الأوهام التي تسمى عقليات، ولم يقبلوا التخرصات التي قال الله في أصحابها: {قُتِلَ الْخَرَّاصُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي غَمْرَةٍ سَاهُونَ} [الذاريات:10 - 11]؛ لأنها ليس لها مستند من مصادر الحق.
المقدم: كمثل قول ابن سينا: إن العقل فعَّال، وقواه قدسية.
ونحو ذلك، فهذه الأقوال من أين استقَوْها؟ وما هو المصدر لهؤلاء الفلاسفة؟ هل هو الفلسفة اليونانية؟ الشيخ: ليس لهم مصدر علمي ولا شرعي، حتى ابن سينا لو أخذناه بمبدئه الذي يدعيه؛ لما وجد أي دليل على ما يقول سوى التبعية للفلاسفة.