لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ} (?) وهذا جارٍ مَجْرى التهديد على ترك التأسي به؛ لأن معنى الآية أن مَنْ يرجو الله واليوم الآخر - فله فيه الأسوة الحسنة، (ومن لا يرجو الله واليوم الآخر - فليس له فيه الأسوة الحسنة) (?)، فيكون وعيدًا على ترك التأسي به. أو نقول بعبارة أخرى: إنه جعل التأسي به لازمًا لرجاء الله واليوم الآخر، فيلزم مِنْ عدم التأسي به عدمُ رجاء الله واليوم الآخر، وهو محرم، فكذلك ما يستلزمه. والتأسي به في الفعل إنما هو بإتيان مِثْل فعله، فيكون الإتيان بمثل فعله واجبًا. هذا تقرير الأوجه.
واعلم أن الذي يظهر في الآية أنَّ الله تعالى جعل للمؤمنين في النبي - صلى الله عليه وسلم - أسوة حسنة، وتلك الأسوة: هي الاقتداء به، وليست عامةً في كل شيء؛ إذ هي نكرة في سياق الإثبات فلا تقتضي العموم، فلا يلزم دخول الفعل المجرد تحتها. هذا من حيث اللفظ، وسواء قُرِّر على الوجه المقتضي للوجوب أم للندب.
والحق من الدلائل الخارجية والبراهين القاطعة أن الاقتداء به في كل شيء مشروعٌ محبوب؛ لأن الله تعالى جعله قدوة الخليقة، ولكن الاقتداء به يستدعي العلم بصفة الفعل (?)، والفعل المجرد لم تُعلم صفته، فلا يدل وجوبُ الاقتداء ولا استحبابُه عليه.