إنما خص جمادى أنه شهر برد وجدب، كقوله:
في ليلة من جمادى ذات أندية ... لا يبصر الكلب في ظلمائها الطنبا
وخص المحرم لأنه شهر حرام لا يسفك فيه دم، ولا يغزى من عدو، ورجب وذو القعدة وذو الحجة. وسئل أعرابي عن الأشهر الحرم، فقال: ثلاثة سرد وواحد فرد. إن بسل الله الشهور عنكم: اختير جمادى لقراكم الضيف وصلتكم الرحم، واختير المحرم لحفظكم حرمته، ولأدائكم حقه.
وقال أعرابي يخاطب امرأته:
شربت دماً إن لم ترعك نضيرة ... بعيدة مهوى القرط طيبة النشر
قوله: شربت دماً: [أي] قسماً، ويحتمل ثلاثة أوجه: أحدها أن الدم حرام في الإسلام، فكأنه قال: أتيت حراماً إن لم أرعك، أي أفزعك. والوجه الثاني: أن العرب كانت إذا انقطع زادها واضطرت، فصدت البعير فأخرجت من دمه بقدر ما تحتاج إليه، فأدنته من النار فأكلته.
قال رجل سقاه صاحبه دماً:
سقاني جزاه الله خير جزائه ... وقد كربت أسباب نفسي تقطع
شراباً كأن الصرف أدمة جؤية ... يجوب بها الموماة حرف سميدع