16 العزيمةُ على من تكلِّفه بإيقاظِك أن لا يتركَك حتى تستيقظَ ويتأكدَ من استيقاظِك، ولو دعاه ذلك إلى نضحِ الماءِ في وجهِك لما في ذلك من طردٍ للشيطانِ وحضورٍ للعقلِ، وعليك أن لا تغضبَ إن فعلَ ذلك، حتى لا تفترَ عزيمتُه على إيقاظِك، فإنَّك لو تعلم مقدارَ ما أيقظك صاحبُك له لقبَّلت رأسَه أن أيقظَك ولو أراقَ عليك الماءَ. ولعلِّي أضربُ مثلاً يقرِّب المعنى للقلوبِ، بأصحابٍ ناموا في بيتِ ملِكٍ وعدَهم وعدًا، وهو منجزٌ وعدَه لهم أن يعطيَهم مسألتَهم ويسمع شكواهم فيُشكيهم ويأخذ حقَّهم ممن ظلمَهم، ويصفح عن حقوقِه التي قصَّروا فيها باعتذارِهم منه، فلما أدركَهم التعبُ وكان موعدُ الملكِ متأخرًا ناموا وأمروا من يستيقظُ منهم أن يوقظَهم، فلما قَرُب موعدُ الملكِ وجاء ينظر مَن بمجلسِه، إذا هذا المستيقظُ يوقظُ أصحابَه فلما غلبَهم النومُ تركهم خشيةَ أن ينغِّصَ عليهم نومَهم، فلما ذهب الملكُ وفات الموعدُ وأخذ كلُّ حاضرٍ نصيبَه ذهبوا يعاتبون هذا الذي لم يوقظهم وقصَّر في الإلحاحِ عليهم، ولو كان أراقَ عليهم الماءَ وهم مدركون لِما له سيقومون وما سينالهم من النصيبِ الوافرِ لما تضايقوا ولا عاتبوه، وإنما عاتبوه لتقصيرِه. وهكذا الحريصُ على قيامِ الليلِ يعزِمُ على صاحبِه أو أهلِه أن يوقظوه، ولو كان ذلك مزعجًا له، ولو فرَّطوا في إيقاظِه لعاتبَهم على ذلك.
17 اتباعُ السنةِ في النومِ، وذلك في وقتِ النومِ، وكيفيةِ الاضطجاعِ وغيرِها، كما يلي: