فلا يثبتون حديث هذا الشيخ ما لم يعارض بكتابه، والمسألة تحتاج مزيد تفصيل ليس محلها هنا، ولكن الذي أريد قوله: أنهم حينما يصنفون أحاديثهم كانوا يجمعونها على شكل كتب ثم يخرجونها للناس
وهذه الكتب المتفرقة تجمع في مصنف واحد، والذي يجمعها في العادة هم تلامذة الشيخ، فمن حضر كل المجالس جمع المصنَّف كله بكتبه المتفرقة، وأمّا من فاته مجلس، فقد فاته بعض الحديث، ومن فاته أكثر من ذلك، يفوته كتاب أو كتب من مصنف شيخه ذا، قال عبد الله بن أحمد:"قلت لأبي: هذه الأحاديث التي تقول: قرأت على عبد الرحمن عن مالك سمعها أو عرضها؟ فقال: قال عبد الرحمن: أما كتاب الصلاة فأنْا قرأته على مالك. قال عبد الرحمن: وسائر الكتب قرئت على مالك وأنا أنظر في كتابي، قال: قرأت على عبد الرحمن كتاب الصلاة، وكتاب الطلاق، وكتاب الحج، فأما الصلاة فعبد الرحمن قرأه على مالك، وسائر الكتب قرئت على مالك وعبد الرحمن حاضر لها" (?).
وقد عنى أحمد ههنا سماع عبد الرحمن بن مهدي من مالك في موطئه، فلا يسوغ الاعتراض بانه قصد كتاباً آخر! ولهذا جئت به.
لذا تجد الاختلاف في نسخ كتاب واحد (مصنف) بين تلاميذ شيخ واحد، كاختلاف الروايات عن أبي داود لكتابه السنن، قال الحافظ ابن حجر:" فروايتا اللؤلؤي وابن داسة متقاربتان إلاّ في بعض التقديم والتأخير، وأما رواية ابن الأعرابي فتنقص عنهما كثيراً، وقد سقط من رواية ابن داسة من كتاب الأدب من قوله: (باب ما يقول إذا أصبح وإذا أمسى) إلى: (باب الرجل ينتمي إلى غير مواليه). وكان يقول: قال أبو داود. ولا يقول: حدثنا أبو داود. وأما رواية ابن الأعرابي فسقط منها: كتاب الفتن، وكتاب الملاحم، وكتاب الحروف، وكتاب الخاتم، وكتاب اللباب، وفاته من كتاب الطهارة والصلاة والنكاح أوراق كثيرة خرجها من رواياته عن شيوخه" (?).
وتأمل ههنا في قول الحافظ: (وفاته من كتاب ............)،فهو واضح جلي.
ومن ذلك -مثلاً- قول الحاكم:" ولمسلم المسند الكبير على الرجال ما أرى أنه سمعه منه أحد و"كتاب الجامع على الأبواب" رأيت بعضه " (?). قوله: بعضه، يشير إلى أنه كان على اجزاء متفرقة.