الأَباب في ضبط اسم الكتاب
الأستاذ الدكتور عبد القادر المحمدي
الحمد لله ربِّ العالمين، له الحمد والثناء الحسن، وأصلي وأسلم على النبيِّ الكريم محمد - صلى الله عليه وسلم -، معلم الناس الخير، سيد الأولين والآخرين، وبعد:
لفت انتباهي وأنا اشتغل بهذا العلم المبارك ما قد يلفت أنظار كثير من طلبة العلم، والمشتغلين بتحقيق المخطوطات، وهو اختلاف اسم الكتاب الواحد بين نسخه المختلفة، وأحياناً من قبل أخصِّ تلامذته، ومن النادر جداً أن تجد اتفاقاً على اسم كتاب واحد، ولاسيما في الأعصار المتقدمة.
ومما تجدر الإشارة إليه أنّه من غير المعقول أنْ يكتب إمام من الأئمة على طرة كتابه (مصنف عبد الرزاق)، أو (سنن النسائي)، مثلاً، فالإمام النسائي صنف كتاباً في سنن النبي - صلى الله عليه وسلم -، ثم اختصره في المجتبى (?)، فاشتهر بين أهل العلم بـ (السنن الكبرى) على الكبير، و (المجتبى) أو (الصغرى) على المختصر من الكبير، فتسميته وصفاً لمضمونه، ولذا سمّاه الوادي آشي (مصنف النسائي المجتبى)،و (مصنف النسائي الكبير)، ومثله قال في سنن ابن ماجه (مصنف ابن ماجه) (?)، وهو لا يقصد المعنى المصطلحي بل يريد (مصنفه في السنن)،وحينئذٍ يفهم اطلاق الدارقطني اسم الصحيح على سنن النسائي المجتبى (?).
والسؤال: كيف إذن وجدت هذه الاسماء على طرر النسخ العتيقة للكتاب! ثم جرّنا هذا إلى سؤال أهم: هو هل هذه العناوين من نسج المؤلف أم من نسج تلامذته أو النساخ بعد ذلك، أو ربما من الخزانات؟ وهذا التساؤل ليس ترفاً فكرياً كما يظنه بعض الناس، وإنما هو تساؤل مهم لما يترتب عليه من أثر مهم، فلو ثبت أنّ هذا العنوان من نسج المؤلف فلا يجوز لنا حينئذٍ العدول عن هذا الاسم، لأنّ اسمه الذي سمّاه به مؤلفه يكشف مضمونه، فإذا سمي باسم غير اسمه ربما أثر بشكل كبير على مضمونه، لذا فلا يجوز التقول على المؤلف وتسميته بغير تسميته التي هي تسميته.
ويدرك أهمية هذا الكلام المشتغلون بهذا العلم بشكل أكبر من غيرهم.