(3008) ثُمَّ مَضَيْنَا حَتَّى أتَيْنَا جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ فِى مَسْجِدِهِ، وَهُوَ يُصَلِّى فِى ثَوْبٍ وَاحِدٍ، مُشْتَمِلاً بِهِ فَتَخَطَّيْتُ القَوْمَ حَتَّى جَلَسْتُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ القِبْلَةِ. فَقلْتُ: يَرْحَمُكَ اللهُ، أتُصَلِّى فِى ثَوْبٍ وَاحِدٍ وَردَاؤُكَ إلى جَنْبِكَ؟ قَالَ: فَقَالَ بِيَدِهِ فِى صَدْرِى هَكَذَا، وَفَرَّقَ بَيْنَ أصَابِعِهِ وَقَوَّسَهَا: أردْتُ أنْ يَدْخُلَ عَلَىّ الأحْمَقُ مِثْلُكَ، فَيَرَانِى كَيْفَ أصْنَعُ، فَيَصْنَعُ مِثْلهُ.

ـــــــــــــــــــــــــــــ

وقوله: " فكانت عليك حلة وعليه حلة ": قال أبو عبيد (?): الحلة: إزار ورداء، ولا يسمى حلة حتى يكونا ثوبين، ومنه فى الحديث أنه " رأى رجلاً عليه حلة قد ائتزر بإحداهما وارتدى بالأخر " قيل: سميت حلة لحلولها أحدهما على الآخر. وقيل: لا يقال الحلة إلا للثوب الجديد الذى يحل من طيه.

وقوله: " فتخطيت القوم حتى جلست بينه وبين القبلة ": كل ذلك حرصاً على القرب منه والسماع والمزاحمة فى طلب العلم. وقوله: " يصلى مشتملاً فى ثوب واحد " لعله غير اشتمال الصماء، والمنهى عنه إنما هى الشملة الصماء، وقد مضى تفسيرها (?)، وما عداها من أنواع الاشتمال من الاعتطاف والاصطناع (?) وغيره فليس بمنهى عنه. وفى هذا الحديث دليل على صلاة الرجل فى ثوب واحد ليس عليه غيره.

وقول جابر: " ليرانى الأحمق مثلك فيصنع مثله ": لئلا يلتزم الناس الرداء أبدًا فى الصلاة، فيظنه من لا علم عنده أنه لباس الرداء أبدًا فيها من حدودها اللازمة. ولا خلاف أنه من مستحبات الصلاة وفضائلها، لا سيما للأئمة وفى المساجد. وقد قيل ذلك فى قوله تعالى: {خُذُوا زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ} (?). وقيل: المراد بالآية: لبس الثياب وستر العورة. وقيل: لبس الثياب فى الطواف بالبيت.

وفيه أن قول هذا اللفظ ومثله لمغير المنكر فالمؤدب والحاكم والزاجر لا حرج فيه، إذا قاله لمن يستوجبه؛ لأنه ليس بهتك عرض ولا كشف سريرة، إذ كل أحد فيه نوع من الحمق والغفلة عن مصالحه، والنظر، فيما ينجيه، ومنه قول ابن عباس: الناس كلهم حمقى، ولولا ذلك [ما عاشوا. ومثل ذلك: الشتم بظالم إذ كل] (?) أحد ظالم لنفسه، فيمثل هذه الألفاظ زجرًا ولو التقى من استحق الزجر والتغيير فى الأغلاط لا بغيرها من الألفاظ السفهة والقزع. ولعله سماه أحمق لما لم يوافقه من فعله، وترك توقيره، لما فى تخطيه إليه الناس وجلوسه بينه وبين القبلة.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015