أتَانَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِى مَسْجِدِنَا هَذَا، وَفِى يَدِهِ عُرْجُونُ ابْنِ طَاب، فَرَأى فِى قبْلَةِ المَسْجِدِ نُخَامَةً فَحَكَّهَا بِالعُرْجُونِ. ثُمَّ أقْبَلَ عَلَيْنَا فَقَالَ: " أيُّكُمْ يُحِبُّ أنْ يُعْرِضَ اللهُ عَنْهُ؟ " قَالَ: فَخَشَعْنَا. ثمَّ قَالَ: " أيُّكُمْ يُحِبُّ أنْ يُعْرِضَ اللهُ عَنْهُ؟ " قال: فخشعنا. ثم قال: " أيكم يحب أن يعرض الله عنه؟ " قُلْنَا: لاَ أيُّنَا، يَا رَسُولَ اللهِ. قَالَ: " فإنَّ أحَدَكُمْ إذَا قَامَ يُصَلِّى، فَإنَّ اللهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى قِبَلَ وَجْهِهِ، فَلا يَبْصُقَنَّ قِبَلَ وَجْهِهِ، وَلا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وقوله: " وفى يده عرجون ابن طاب "، قال الإمام: العرجون: عود الكباسة. والكباسة والعذق بكسر العين والعثكال والعثكول كله واحد. وكل غصن من أغصان الكباسة فيه شمراخ، والشمراخ هو الذى عليه البسر، من خمس تمرات إلى ثمان. و" ابن طاب ": نوع من التمر. قال ابن حمزة: " ابن طاب ": عذق بالمدينة. والعذق، بفتح العين، هو النخل نفسه.
وقوله: " فخشعنا ": الخشوع: السكون والتذلل، وأيضاً الخضوع، وأيضاً الخوف، وأيضاً غض البصر فى الصلاة، قال الله تعالى: {وَخَشَعَتِ الأَصْوَاتُ لِلرَّحْمَنِ} (?) أى انخفضت وسكنت وقوله: {فِى صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ} (?) أى خاضعون. وقيل: خائفون. قال ابن سيرين: كان المسلمون يلتفتون فى صلاتهم فنزلت هذه الآية، فغضوا أبصارهم، فكان أحدهم ينظر إلى موضع سجوده. ويقال: خشع له ويخشع: إذا تذلل. قال ابن سلام: الخشوع: الخوف الثابت فى القلب. قال الليث: الخشوع قريب المعنى من الخضوع، إلا أن الخضوع [فى البدن، والخشوع] (?) يكون فى البدن والبصر والصوت.
قال القاضى: كذا رويناه: " فخشعنا " بالخاء المعجمة عن الأسدى والخشنى وغيرهما من شيوخنا، كما رواه الإمام أبو عبد الله. ورويناه عن القاضى الشهيد: " فجشعنا " بالجيم وكسر الشين، وكذا هو فى كتاب القاضى التميمى بخطه بالجيم، ومعناها صحيح. فبالخاء من الخشوع، على ما فسره وبالجيم بمعنى القرع، ومنه الحديث الآخر: " فبكى معاذ جشعاً لفراق رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " (?). قال الهروى: أى جزعاً لفراقه. والجشع الحرص على الأكل وغيره.
وقوله: " فإن الله قبل وجهه ": [أى قبلة الله المعظمة.
وقوله: " فلا يبصقن قبل وجهه] (?) ولا عن يمينه، وليبصق عن يساره تحت رجله اليسرى ": تعظيم أيضاً لجهة اليمين، ولأنها منزهة أبدًا عن الأقذار وعن استعمالها فى الأقذار فاستعمل فيها جهة اليسار وتحت الرجل؛ لئلا يؤذى من على يساره، إلا إذا دعته الضرورة فيباح له أن يبصق حيث أمكنه ويدفن.