إِدْرِيسَ - حَدَّثَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ، عَنْ أَبِى الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: قَضَى رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالشُّفْعَةِ فِى كُلِّ شِرْكَةٍ لَمْ تُقْسَمْ، رَبْعَةٍ أَوْ حَائِطٍ، لا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَبِيعَ حَتَّى يُؤْذِنَ شَرِيكَهُ، فَإِنْ شَاءِ أَخَذَ وَإِنْ شَاءَ تَرَكَ، فَإِذَا بَاعَ وَلَمْ يُؤْذِنْهُ فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وانفرد الخطابى فحكى عن مالك إثبات الشفعة فى الميراث، وهو قول شاذ لم يسمع إلا منه فيما أعلم، وأما الهبة والصدقة فى إثبات الشفعة ففيها قولان مشهوران بالإثبات لقوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " الشفعة فيما لم يقسم ". ولم يفرق بينها إلا مالك، ولأنها لنفى الضرر، والضرر لا يختلف باختلاف طرق الملك. ووجه نفيها قوله فى كتاب مسلم: " لا يحل له أن يبيع حتى يؤذن شريكه " (?)، فكأنه أشار إلى أن ما تقدم فى صدر الحديث من إثبات الشفعة إنما يكون فى البيع لتركه المبيع فى آخر الحديث، ولو كان غير البيع كالبيع لقال: لا يحل أن يخرج ملكه. وقال بعض شيوخنا: قوله: " لا يحل له أن يبيع حتى يؤذن شريكه، فإن شاء أخذ وإن شاء ترك ": فيه إشارة إلى وجوب الشفعة قبل البيع.
وأما ما لا يقسم من العقار فهل فيه شفعة أم لا؟ فيه قولان عندنا بإثبات الشفعة لقوله - عليه السلام: " الشفعة فيما لم يقسم " (?)، وهذا لم يقسم، ولأن الضرر يلحق فى ذلك بسوء المعاشرة والدعاء إلى البيع، ووجه نفيها أن الشفعة فيما لم يقسم يشعر أن ذلك مما يحتمل القسم، ولأن من الضرر المعتبر الدعاء إلى المقاسمة وهى مفقودة هاهنا.
[قال القاضى: قوله: " قضى بالشفعة فى كل شركة ما لم تقسم ": يدل أن الشفعة فيما تصح فيه القسمة، وما لا تصح فيه فلا يقال فيه: ما لم يقسم. وما يقسم نوعان: فيما ينقسم مما لا ينقل، وما يقسم بالعدد والوزن والكيل، وما فى معناه مما ينقل، كما جاء فى الحديث. وما لا ينقسم لا قسم فيه، ويحتج لنفى الشفعة فيه، قوله: " فيما لم يقسم " يشعر أن ذلك فيما يحتمل القسم، ويحتج لثبوتها فيه بقوله: " الشفعة فيما لم يقسم وهذا لم يقسم " أجمعوا على ذلك، واختلفوا فى ثبوتها فيما بيع بعد القسم، فأثبتها أبو حنيفة حتى إنه أثبتها للجار - على ما تقدم - ثم إذا اختصت مما ينقسم، فظاهر الحديث - سواء انقسم بالحدود ولا ينتقل كالعقار أو انقسم بعدد أو كيل أو وزن - يدل على تخصيصها بما ينقسم بالحدود؛ لأن الحكم إذا علق بصفة يدل على أن تلك الصفة هى علة الحكم عند كثير من الأصوليين، لاسيما وقد وقع الإجمال بقوله: " ربعة حائط "] (?).