أما عن فقهه فهو فيه علم فذٌّ، استبحر -كما قال الذهبى- من العلوم، وجمع وألف وسارت بتصانيفه الركبان (?)، وكانت تواليفه نفيسة.
وحينما تطالع كتابه " الإكمال " ستجد أنه كمن جمع له فقه الأئمة السابقين على طرف لسان وأطراف بنان.
ومع ذلك، فإنه رزق عفة الأسلوب مع وفرة الحجج عند وقوع الاختلاف فى المسائل، ويظهر هذا فى مثل قوله السابق: " وإن كان قاله مقتدى به " (?).
وكان وافر التواضع لشيوخه، فلا يفُتْه أن يسبق نقله عنهم أن يقول: " طالعت بهذا الرأى أهل التحقيق " (?).
فكانت أخلاقه شاهد صدق لانتفاعه بعلمه، وأخذ نفسه به وتقويمها عليه.
ولقد كان - رحمه الله - إليه مؤونة الدفاع عن سبتة (?)، حيث كان -كما يقول ابن خلدون- يومئذ رئيسها بدينه وأبوته ومنصبه (?).
دافع عنها كيد الدولة الدخيلة البغيضة - دولة الموحدين - ومع كونه كان فى ميدان المدافعة فرداً لا نظير له، إلا أنه ثبت لها بيقينه وعلمه وثاقب نظره، حتى نفذ بها حكم القدر الكونى، وغلبت دولة الموحدين، ونزل به ما ينزل بأمثاله فى تلك المحن الشديدة، فنفى عن بلده ثم عذب على صلاحه، وظل هذا حاله حتى لقى عليه ربه.
يقول الإمام الذهبى: " بلغنى أنه قتل بالرماح، لكونه أنكر عصمة ابن تومرت " (?).
وقال ابن بشكوال: " توفى القاضى مُغَرّباً عن وطنه فى وسط سنة أربع - أى وأربعين وخمسمائة " (?).