وقال - صلى الله عليه وسلم - لأصحابه: "تقدموا فأْتموا بي، وليأتمّ بكم من بعدكم" (?) ..
وواضح من هذا أن الإمام من يتبع فعله كما يتبّع قوله.
المقتدى به الذي هو عالم بالمبدأ الذي يدعو إليه، مؤمن به، حريص على نشره بين الناس، لا يكاد يتخلف عمله عن علمه. إذ إن ما يعلمه يصبح كالطبيعة المغروزة فيه، فيفعل ما يفعله بتأثير ذلك العلم الذي أصبح كالوصف الراسخ فيه. وذلك أنه إذا تعهّد نفسه، فلم يسمح أن يصدر عنه ما يخالف مقتضى ما يحمله من العلم، ودعاها إلى ممارسة كل ما يدعوه إليه العلم، فإنه يتعوّد أن يسير حسب المبدأ، وتتقوّى فيه تلك العادة بالتكرار والضبط، حتى تكاد أن تكون طبيعة أخرى.
وحينئذٍ يكون ما فعله تصديقاً لأقواله ودعوته التي يدعو إليها، وترسيخاً لها في نفوس أتباعه، وتصح القدوة بفعله كما تصح بقوله.
وعلى العكس من ذلك من خالف فعله قوله، يكون ذلك منه تكذيباً لقوله، وعائداً عليه بالإبطال في نفوس الأتباع، ويكون ذلك منفرّاً لهم عن دعوته، وعن استماع كلامه، والانتفاع به.
قال الشاطبي (?):
"إن المفتي إذا أمر مثلاً بالصمت عما لا يعني، فإن كان صامتاً عما لا يعنيه ففتواه صادقة، وإن كان من الخائضين فيما لا يعني، فهي غير صادقة. وإذا دلّك على الزهد في الدنيا وهو زاهد فيها صدقت فتياه، وإن كان راغباً في الدنيا فهي كاذبة. وإن دلّك على الصلاة وكان محافظاً عليها، صدقت فتياه، وإلا فلا. وهكذا في سائر الأوامر".