"ومثلها النواهي: فإذا نهى عن النظر إلى الأجنبيات، وكان في نفسه منتهياً عنها، صدقت فتياه. أو نهى عن الكذب، وهو صادق اللسان، أو عن الزنا، وهو لا يزني، أو عن التفحّش وهو لا يتفحّش، وما أشبه ذلك، فهو الصادق الفتيا، والذي يقتدى بقوله وفعله، وإلا فلا، لأن علامة صدق القول مطابقة الفعل، بل هو الصدق في الحقيقة عند العلماء، قال تعالى: {يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين} (?) فهكذا إذا أخبر العالم بأن هذا واجب أو محرم، فإنما يريد: على كل مكلف، وأما منهم". اهـ.
وقال في موضع آخر:
"إذا وقع القول بياناً فالفعل شاهد له ومصدق ... وبيان ذلك ... إن العالم إذا أخبر عن إيجاب العبادة الفلانية، أو الفعل الفلاني، ثم فعله هو ولم يخل به في مقتضى ما قال فيه، قوي اعتقاد إيجابه، وانتهض العمل به عند كل من سمعه يخبر عنه ورآه يفعله. وإذا أخبر عن تحريمه مثلاً ثم تركه، فلم يُرَ فاعلاً له، ولا دائراً حواليه، قوي عند متبعه ما أخبر به عنه، بخلاف ما إذا أخبر عن إيجابه ثم قعد عن فعله، أو أخبر عن تحريمه ثم فعله، فإن نفوس الأتباع لا تطمئن إلى ذلك القول منه، طمأنينتها إذا ائتمر وانتهى. بل يعود من الفعل إلى القول ما يقدح فيه على الجملة: إما من تطريق احتمال إلى القول، وإما من تطريق تكذيب إلى الناقل، أو استرابة في بعض مآخذ القول. مع أن التأسي في الأفعال والتروك بالنسبة إلى من يعظّم في دين أو دنيا كالمغروز في الجبلة، كما هو معلوم بالعيان. فيصير القول بالنسبة إلى القائل كالتبع للفعل. فعلى حسب ما يكون القائل في موافقة فعله لقوله يكون اتباعه والتأسي به، أو عدم ذلك" (?) اهـ.
والنبي - صلى الله عليه وسلم - كان أصدق الناس، وأقومهم بحق الإمامة، وأسرعهم إلى تنفيذ ما أرسل به من شريعة الله، على نفسه أولاً، ثم أهل بيته، وأقاربه، وعلى غيره ممن ينفّذ أمره عليهم، وانظر قوله يوم حجة الوداع: "ألا إن ربا الجاهلية موضوع، ألاّ