قال: "وهذا الذي قاله القاضي فيه نظر عندي، إلاّ على رأي الذاهبين إلى أن فعله - صلى الله عليه وسلم - يقتضي الإباحة. وليس القاضي من القائلين بذلك، بل مذهبه الوقف". اهـ.
وقال العلائي في مفتتح كلامه في مسألة تعارض الفعلين: "اعلم أن الكلام في ذلك مبني على مسألة فعله - صلى الله عليه وسلم - ماذا يدل عليه في حق الأمة، والكلام في تلك المسألة مشهور طويل".
لقد نقلت كلام المازري بتمامه لأني رأيته حدّد سبب الخلاف، وركّز عليه الضوء، فإن من قال بأن الفعل المجرّد يدل على الوجوب في حقنا، فإن الفعل يكون عنده شبيهاً بالقول، ولا حاجة إلى ورود دليل خاص يدل على التكرار في حقّه - صلى الله عليه وسلم - ولا على وجوب التأسّي.
وأيضاً على قول المساواة، يتصوّر استفادة الوجوب في حقنا إن علمنا أنه - صلى الله عليه وسلم - فعل الفعل على سبيل الوجوب.
أما على قول الاستحباب، فيحتمل القول بالتعارض، لأن الاستحباب حكم شرعي يتصوّر نسخه، بأن نعلم أنه - صلى الله عليه وسلم - ترك ذلك الفعل على سبيل استباحة الترك، فيدلّ ذلك على زوال الاستحباب السابق. ويحتمل أن يقال: الترك للمستحب لا حرج فيه، فلا يدل على عدم الاستحباب.
أما على القول بأن الفعل المجرّد لا يدلّ على أكثر من الإباحة فيتأتى القول بالتخيير بين الفعلين، وعدم التعارض بينهما.
وأما ما استشكله المازَري من قول الباقلاني بالوقف في الأفعال المجرّدة، وقوله هنا باستفادة جواز الأمرين، فلم نر لفظ الباقلاني بحروفه لنعلم هل صرح بدلالته على الجواز في حقنا، فإن قال بذلك تناقض. ولعله إنما قال بالجواز في حقه - صلى الله عليه وسلم - خاصة. أما الغزالي، من القائلين بالوقف، فقد صرّح بامتناع