5 - ولا نزاع أيضاً أن ما كان من الأفعال لا دلالة له على الأحكام أصلاً، فإنه لا يقع فيه التعارض كالأفعال الجبليّة الاضطرارية، كالتنفس، وأصل الأكل والشرب. وكذلك الأفعال التي ثبت اختصاصه بها - صلى الله عليه وسلم -، لا تتعارض في حقنا، وقد تتعارض في حقه - صلى الله عليه وسلم -.
فالذي فيه اختلاف ونزاع، إنما هو الأفعال المجرّدة المطلقة، وهي التي سبق أن عقدنا لها فصلاً في الباب الأول.
وقد حكى أبو نصر القشيري عن الباقلاني، تحديدَ ما فيه الخلاف، فقال: "أما الأفعال المطلقة، التي لم تقع موقع البيان من الرسول، وهي التي يتوقف فيها الواقفية، فلا يتحقق فيها تعارض، فإن الأفعال لا صيغ لها" (?). اهـ.
فهذا موضع النزاع.
وقد بيّن المازَري موضع النزاع، وذكر ما يجري فيه الخلاف، وذلك حيث يقول:
"إن قدّرنا تعدّي حكمه - صلى الله عليه وسلم - إلينا، صار من ناحية تعدّي الحكم إلينا، إما وجوباً أو ندباً، على الخلاف في ذلك، يتصوّر فيه التعارض، وينزل الفعل منزلة القول المشتمل على المعاني. فإذا نقل عنه - صلى الله عليه وسلم - فعلان متعارضان، ولم يتصوّر فيهما طَرْقُ التأويل (يعني الجمع) فإن أحدهما يكون ناسخاً للآخر، فيُتَطَلّب التاريخ، حتى يعلم الآخِر، فيكون هو الناسخ. هذا مذهب الجمهور. ورأى القاضي (الباقلاني) أن النسخ هنا لم تدْعُ ضرورة إليه، كما دعت في الأقوال. لأن الفعل مقصور على فاعله ولا يتعداه. وليس كالصيغ المشتملة على معان متضادة. فإذا وجدنا فعلين متعارضين، حملناهما على التجويز والإباحة، وقلنا: القصد بيان جواز كل واحد من الفعلين" (?).