التعارض بين الفعلين، ولكن ذكر أنه لا يستفاد من كلا الفعلين حكم بالنسبة إلينا.
فالحاصل إننا لا نذهب إلى أيٍّ من القولين بكماله، بل نذهب إلى التفصيل. فبناء على ما تقدم اختياره من قول المساواة في الفعل المجرّد، وأن الفعل المجرّد قد يدل على الوجوب أو الاستحباب نقول: إن الذي نختاره عند اختلاف الفعلين ما يلي، ولم نجد أحداً فضله كما نذكر هنا، وبالله التوفيق:
أولاً: إن كان الفعل بياناً أو امتثالًا لدالٍّ على الوجوب فعارضه فعل آخر، ولم يمكن الجمع بينهما، يعدّ الثاني ناسخاً للأول في حق الجميع (?) إن علم التاريخ، وإلاّ صير إلى الترجيح بينهما.
ثانياً: وكذلك في الفعل المجرّد، إن قامت قرينة على أن الفعل الأول يدل على الوجوب في حقنا.
ثالثاً: فإن حكمنا على الفعل الأول أنه للاستحباب، فالظاهر أن الترك له لا يعارض فعله ولا يبطل حكمه، ما لم يعلم أن الترك كان على سبيل ترك المباح، أو يتبين أنه - صلى الله عليه وسلم - أراد إحداث طريقة جديدة في المسألة غير ما كان عليه أولاً.
رابعاً: فإن لم يكن كذلك، وحكمنا بأن الفعل الأول دالّ على الإباحة، فإن الفعل الثاني لا يعارضه، بل يتخيّر بينهما، ما لم يعلم بقرينة أن الفعل الثاني وقع على سبيل الوجوب أو الاستحباب فيعمل به وتترك دلالة الأول.
فالأمر في هذه المسألة، كما ترى، مبني على حكمنا على الفعل ماذا يدل عليه لو لم يعارضه الفعل الآخر، وعلى حكمنا على الفعل الثاني ماذا يدل عليه لو لم يعارض الفعل الأول، فإذا علم ذلك، جرى بينهما القانون السابق بيانه.
ونحن نضرب أمثلة يتبيّن منها المقصود.