في المستقبل في حقه - صلى الله عليه وسلم -، ودلّ دليل خاص على أن المراد تأسي الأمة به في ذلك الفعل، أنه يجري فيه التعارض أيضاً لتنزّله منزلة القول. ويقول الباقلاني: "لا يمتنع أن يُستدَلّ بفعله - صلى الله عليه وسلم - على نسخ حكم ثبت، وهو أن يعلم بدليلٍ أن ما وقع من فعله - صلى الله عليه وسلم - المراد دوام فعله، فيحل ذلك محل القول الذي يقتضي دوام التعبّد بالفعل في المستقبل. فكما يصحّ دخول النسخ في حكم قولٍ هذه حاله، فكذلك يصح نسخ حكم فعل حلّ محله" (?).

ويعلم أن المراد دوام الفعل وتكرره في المستقبل إذا علم ارتباطه بسبب متكررٍ (?)، كصوم الاثنين مثلاً، وصلاة الضحى.

4 - وواضح أيضاً أنه ليس من قبيل تعارض الفعلين اختلاف النقلة في الفعل الواحد إذا نقلوه على وجهين فأكثر. فإن هذا خارج عن مسألتنا، بل هو من قبيل التعارض في الرواية، فيجري الترجيح بين الرواة بالثقة والضبط، وغيرها، أو بالترجيح بين الصور المرويّة أنفسها.

ومثاله صلاة الخسوف، فإن مسلماً روى فيها، في كل ركعة ثلاثة ركوعات، ورُوي كذلك في كل ركعة أربعة ركوعات. وقال ابن تيمية:

"هذا ضعّفه حذّاق أهل العلم، وقالوا: إن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يصلّ الكسوف إلاّ مرة، يوم مات ابنه ابراهيم، وقد تواتر أنه إنما ركع ركوعين" (?). اهـ.

وقد عقد الغزالي في المنخول (?) لاختلاف النقلة في الفعل الواحد مسألة. ونقل فيها عن الشافعي أنه يُتلقّى من نقلهم للصورتين جواز الآمرين. واختار الغزالي أن ذلك من تعارض النقلة، فيجري الترجيح، ولا يدلّ اختلافهم على جواز الأمرين. وبيّن أن ما نقل عن الشافعي إنما قاله في صلاة الخوف وكان ذلك منه ترجيحاً لإحدى الروايتين لقربها من أبّهة الصلاة.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015