1 - لا نزاع في أن الفعلين لا يتعارضان بالنظر إلى حقيقتهما، لأن كل فعل منهما يقع في زمان خاص، وشرط التعارض التساوي في الزمن بين المتضادين، فإذا فعل في وقت ثم ترك في وقت آخر، لم يكن ذلك تعارضاً.
وكما أن الذوات لا تتعارض، فكذلك الأفعال، لأنها أكوان وجودية. ويقول أبو الحسين البصري: "الأفعال إنما تتنافى إذا كانت متضادة، وكان محلها واحداً ووقتها واحداً. ويستحيل أن يوجد الفعل وضده في وقت واحد، في محل واحد، فإذن يستحيل وجود أفعال متعارضة. أما الفعلان الضدّان في وقتين فليسا متعارضين بأنفسهما" (?).
2 - ولا نزاع أيضاً في أن الفعل إن كان بياناً لمجمل، أنه يحلّ محلّ القول. فإذا فعل بعد ذلك ما يعارضه، يحتمل أن يكون الفعل الثاني ناسخاً للأول، وذلك إن لم يكن الجمع بينهما.
ويقول الشوكاني: "إن وقعت الأفعال بيانات للأقوال فقد تتعارض في الصورة، ولكن التعارض في الحقيقة راجع إلى المبيّنات من الأقوال، لا إلى بيانها من الأفعال، وذلك كقوله - صلى الله عليه وسلم -: "صلّوا كما رأيتموني أصلي" فإن آخر الفعلين ينسخ الأول كآخر القولين" (?). اهـ.
ومما يمكن التمثيل به للأفعال البيانية المتعارضية صور صلاة الخوف. فقد وردت روايات تقتضي أن النبي - صلى الله عليه وسلم - صلاها على أربع وعشرين صفة، يثبت منها بحسب علم الاصطلاح ستة عشرة صفة (?). وقد مال الشافعي إلى الأخذ بالمتأخر منها، وهذا يحمل على معنى نسخ المتقدم منها بالمتأخر. ووجهه أن فعله - صلى الله عليه وسلم - في صلاة الخوف بيان لما في القرآن.
3 - ولا نزاع أيضاً أن الفعل إذا دلّ دليل خاص على أن المراد دوامه وتكراره