في الفعلين محال، لأنه إن وقعا من شخصين، أو من شخص واحد في وقتين، أو على وجهين مختلفين، لم يكن بينهما تعارض، لأن الفعل يكون من أحد الفاعلين قربة، ويكون من الآخر معصية، ويكون من الشخص الواحد في وقت قربة، وفي وقت آخر حراماً" (?). اهـ.
وممن قال بامتناع التعارض بين الفعلين أبو الحسين البصري والقشيري، والغزالي في المستصفى، وابن الهمّام وغيرهم (?). والظاهر من كلام الجويني في البرهان إنه يميل إلى هذا القول. وقال العلائي: "هذا القول هو الذي أطبق عليه جمهور أئمة الأصول".
2 - وذهب جمع آخر من العلماء إلى القول الثاني:
ونسبه الجويني في البرهان إلى "كثير من العلماء" قال: "وللشافعي صغو إلى ذلك" (?) يشير إلى مسلك الشافعي في اختلاف الروايات عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في صفة صلاة الخوف. وسوف نستعرض ما قاله رضي الله عنه في موضع آخر من هذا الفصل. وقال به أبو إسحاق الشيرازي (?) ونسب الشوكاني هذا القول إلى ابن رشد. ونسبه المازري (?) إلى الجمهور. ولعلّه يعني جمهور الفقهاء، لا جمهور الأصوليين. فإن هذا المسلك أغلب على كلام الفقهاء، كما يأتي.
ووجه هذا القول، أن الأفعال لما كانت دالّة على الأحكام، كالأقوال، فإذا دلّ الفعل الأول على الوجوب مثلاً، ثم كان منه - صلى الله عليه وسلم - الترك، فإنه يدل على نسخ الوجوب. وكذا لو ترك على صفة يعلم منها التحريم، ثم فعل، فإنه يدل على نسخ التحريم.