فصل

إذا سلم العبد من فتنة الشبهات والشهوات حصل له أعظم غايتين مطلوبتين، بهما سعادته وفلاحه وكماله. وهما الهدى، والرحمة.

قال تعالى عن موسى وفتاه:

{فَوَجَدَا عَبْداً مِنْ عِبَادنَا آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْماً} [الكهف: 65] .

فجمع له بين الرحمة والعلم، وذلك نظير قول أصحاب الكهف: {رَبَّنَا آتِنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَداً} [الكهف: 10] .

فإن الرشد هو العلم بما ينفع، والعمل به. والرشد والهدى إذا أفرد كل منها تضمن الآخر، وإذا قرن أحدهما. فالهدى هو العلم بالحق. والرشد هو العمل به وضدهما الغَى واتباع الهوى.

وقد يقابل الرشد بالضر والشر. قال تعالى: {قُلْ إنِّى لا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرا وَلا رَشَداً} [الجن: 21] .

وقال مؤمنو الجن: {وَأَنَّا لا نَدْرِى أَشَر أُرِيدَ بِمَنْ فى الأَرْضِ أَمْ أَرَادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَداً} [الجن: 10] .

فالرشد يقابل الغى، كما فى قوله: {وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ لا يَتَّخذُوهُ سَبِيلاً، وَإنْ يَروْا سَبيلَ الْغَى يَتَّخِذوهُ سَبِيلاً} [الأعراف: 146] .

ويقابل الضر والشر كما تقدم، وذلك لأن الغى سبب حصول الشر والضر ووقوعهما بصاحبه.

فالضر والشر غاية البغى وثمرته، كما أن الرحمة والفلاح غاية الهدى وثمرته.

فلهذا يقابل كل منهما بنقيضه وسبب نقبضه، فيقابل الهدى بالضلال، كقوله: {يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِى مَنْ يَشَاء} [النحل: 93] وقوله {إنْ تَحْرصْ عَلَى هُدَاهُمْ فَإِنَّ اللهَ لا يَهْدِى مَنْ يُضِلُّ} [النحل: 37] وهو كثير.

ويقابل بالضلال والعذاب. كقوله: {فَمنِ اتَّبَعَ هُدَاى فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقَى} [طه: 123] .

فقابل الهدى بالضلال والشقاء.

وجمع سبحانه بين الهدى والفلاح، والهدى والرحمة، كما يجمع بين الضلال والشقاء والضلال والعذاب: كقوله: {إنَّ المُجْرِمِينَ فِى ضَلاَلٍ وَسُعُرٍ} [القمر: 47] .

فالضلال ضد الهدى، والسعر العذاب، وهو ضد الرحمة.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015