وكانوا يقولون "احذروا فتنة العالم الفاجر، والعابد الجاهل، فإن فتنتهما فتنة لكل مفتون".
وأصل كل فتنة إنما هو من تقديم الرأى على الشرع، والهوى على العقل.
فالأول: أصل فتنة الشبهة، والثانى: أصل فتنة الشهوة.
ففتنة الشبهات تدفع باليقين، وفتنة الشهوات تدفع بالصبر، ولذلك جعل سبحانه إمامة الدين منوطة بهذين الأمرين، فقال: {وَجَعَلْنَا مِنّهُمْ أَئمِةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمّا صَبَرُوا وكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ} [السجدة: 24] .
فدل على أنه بالصبر واليقين تنال الإمامة فى الدين.
وجمع بينهما أيضاً فى قوله: {وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ} [العصر: 3] .
فتواصوا بالحق الذى يدفع الشبهات، وبالصبر الذى يكف عن الشهوات. وجمع بينهما فى قوله:
{وَاذْكْرُ عِبَادَنَا إبراهيم وَإِسْحقَ وَيَعْقُوبَ أُولِى الأَيْدِى وَالأَبْصَارِ} [ص: 45] .
فالأيدى: القوى والعزائم فى ذات الله، والأبصار: البصائر فى أمر الله. وعبارات السلف تدور على ذلك.
قال ابن عباس "أولى القوة فى طاعة الله، والمعرفة بالله".
وقال الكلبى "أولى القوة فى العبادة، والبصر فيها".
وقال مجاهد "الأيدى: القوة فى طاعة الله، والأبصار: البصر فى الحق".
وقال سعيد بن جبير "الأيدى: القوة فى العمل، والأبصار: بصرهم بما هم فيه من دينهم".
وقد جاء فى حديث مرسل "إن الله يحب البصر النافذ عند ورود الشبهات، ويحب العقل الكامل عند حلول الشهوات".
فبكمال العقل والصبر تدفع فتنة الشهوة، وبكمال البصيرة واليقين تدفع فتنة الشبهة والله المستعان.