وأهل المعاصى والفسوق وإن كان بينهم نوع مودة وتحاب، فإنها تنقلب عدواة وبغضا وفى الغالب يتعجل لهم ذلك فى الدنيا قبل الآخرة، أما فى الآخرة فالأخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو إلا المتقين.

وقال إمام الحنفاء لقومه: {إنَّمَا اتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِ اللهِ أَوْثَاناً مَوَدَّةَ بَيْنِكُمْ فى الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بَبَعْضُ ويلعن بَعْضُكُمْ بَعْضاً} [العنكبوت: 25] .

فالمعاصى كلها توجب ذلك، وتصد عن ذكر الله وعن الصلاة، وذكر ذلك فى الخمر الميسر - اللذين هما من أواخر المحرمات - تنبيه على ما فى غيرهما من ذلك، مما حرم قبلهما، وهو أشد تحريما منهما، فإن ما يوقعه قتل النفوس، وسرقة الأموال، وارتكاب الفواحش من ذلك، وما يصد به عن ذكر الله وعن الصلاة أضعاف أضعاف ما يقتضيه الخمر والميسر، والواقع شاهد بذلك.

وكم وقع، وهو واقع بين الناس - بسبب عشق الصور - من العداوة والبغضاء، وزوال الألفة والمحبة، وانقلا بها عدواة.

وأما صده عن ذكر الله، فقلب العاشق ليس فيه موضع لغير معشوقه، كما قيل:

مَا فِى الْفُؤَادِ لِغَيْرِ حُبِّكَ مَوْضِعٌ ... كَلاّ، وَلا أَحَدٌ سِوَاكَ يَحُلُّهُ

وأما صده عن الصلاة، فهو إن لم يصد عن صورتها وأعمالها الظاهرة، فإنه يصد عن حقيقتها ومقاصدها الباطنة.

فصل

ومما يبين أن هذه الفواحش أصلها المحبة لغير الله تعالى، سواء كان المطلوب المشاهدة أو المباشرة، أو غير ذلك: أنها فى المشركين أكثر منها فى المخلصين، ويوجد فيهم منها ما لا يوجد مثله فى المخلصين.

قال تعالى {يَا بَنِى آدَمَ لا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ يَنْزِع عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمْا سَوْءاتِهِمَا إِنَّهُ يرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015