وهم فى سكرتهم يعمهون، فكيف إذا خرج العشق إلى حد الجنون المطبق؟ كما أنشد محمد بن جعفر الخرائطى فى كتاب اعتلال القلوب، قال: أنشد الصيدلانى:
قَالَتْ: جُنِنْتَ عَلَى رَأْسِى، فَقُلْتُ لهَا ... العِشق أَعْظَمُ مَّمِا بِالمَجاَنِينِ
الْعِشْقُ لا يَستَفِيق الدَّهْرَ صَاحِبُهُ ... وَإنَما يُصْرَعُ المَجْنُونُ فى الْحِينِ
فصاحبه أحق بأن يشبه بعابد الوثن، والعاكف على التماثيل، فإن عكوف قلب العاشق على صورة محبوبه وتمثاله يشبه عكوف عابد الصنم على صنمه.
وإذا كان الشيطان يريد أن يوقع العدواة والبغضاء بين المسلمين فى الخمر والميسر، ويصدهم بذلك عن ذكر الله وعن الصلاة، فالعدواة والبغضاء والصد الذى يوقعه بالعشق أعظم بكثير.
وجميع المعاصى يجتمع فيها هذان الوصفان، وهما العدواة والبغضاء، والصد عن ذكر الله وعن الصلاة، فإن التحاب والتآلف إنما هو بالإيمان والعمل الصالح، كما قال تعالى: {إنَّ الَّذِينَ آمَنْوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمنُ وُدا} [مريم: 96] .
أى يلقى بينهم المحبة، فيحب بعضهم بعضا، فيتراحمون، ويتعاطفون بما جعل الله لبعضهم فى قلوب بعض من المحبة.
وقال ابن عباس "يحبهم ويحببهم إلى عبادة".
قال هرم بن حيان "ما أقبل عبد بقلبه إلى الله عز وجل إلا أقبل الله بقلوب المؤمنين إليه حتى يرزقه مودتهم ورحمتهم".