لا تَرَوْنَهُمْ إِنَّا جَعَلْنَا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ لِلّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ وَإذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً قَالُوا وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءنَا وَاللهُ أَمَرَنَا بِهَا قُلْ إِنَّ اللهَ لا يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ أَتَقُولُونَ عَلَى اللهِ مَالا تَعْلَمُونَ قُلْ أَمَرَ رَبِّى بِالْقِسْطِ وَأَقِيمُوا وُجُوهَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ - إلى قوله تعالى - قُلْ إِنَما حَرَّمَ رَبِّى الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنّهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمِ وَالْبَغْى بِغَيرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللهِ مَالا تَعْلَمُونَ} [الأعراف: 27- 33] .

فأخبر سبحانه أنه جعل الشياطين أولياء للذين لا يؤمنون، وهو قوله: {أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُوِنى وَهُمْ لَكُمْ عَدُو بِئْسَ لِلظّالمينَ بَدَلاً} [الكهف: 50] .

وقال تعالى فى الشيطان: {إِنّمَا سُلْطَانُهُ عَلَى الّذِينَ يَتَوَلّوْنَهُ وَالّذِينَ هُمْ بِهِ مُشْرِكُونَ} [النحل: 100] .

وأخبر عنه أنه أقسم بعزة ربه أنه يغوى عباده أجمعين، واستثنى أهل الإخلاص منهم، وأخبر سبحانه عن أولياء الشيطان: أنهم إذا فعلوا فاحشة احتجوا بتقليد أسلافهم، وزعموا أن الله سبحانه أمرهم بها، فاتبعوا الظن الكاذب والهوى الباطل.

قال شيخنا: وفى هذا الوصف نصيب كبير لكثير من المنتسبين إلى القبلة، من الصوفية والعُبّاد، والأمراء، والأجناد، والمتفلسفة، والمتكلمين، والعامة وغيرهم، يستحلون من الفواحش ما حرمه الله ورسوله، ظانين أن الله أباحه، أو تقليدا لأسلافهم وأصله العشق الذى يبغضه الله، فكثير منهم يجعله ديناً، ويرى أنه يتقرب به إلى الله، إما لزعمه أنه يزكى النفس ويهذبها، وإما لزعمه أنه يجمع بذلك قلبه على آدمى، ثم ينقله إلى عبادة الله وحده، وإما لزعمه أن الصور الجميلة مظاهر الحق ومشاهده، ويسميها "مظاهر الجمال الأحدى" وإما لاعتقاده حلول الرب فيها، واتحاده بها، ولهذا تجد بين نساك هؤلاء وفقرائهم وأمرائهم وأصحابهم توافقا وتآلفا على اتخاذ أنداد من دون الله يحبونهم كحب الله. إما تَدَيُّناً، وإما شهوة، وإما جمعاً بين الأمرين. ولهذا يتآلفون ويجتمون على السماع الشيطانى، الذى يهيج الحب المشترك، فُيَهيِّج من كل قلب ما فيه من الحب.

وسبب ذلك: خلو القلب مما خلق له، من عبادة الله تعالى التى تجمع محبته وتعظيمه، والخضوع والذل له، والوقوف مع أمره، ونهيه ومحابَّه ومساخطه. فإذا كان فى القلب وجدان حلاوة الإيمان وذوق طعمه أغناه ذلك عن محبة الأنداد وتأليهها. وإذا خلا القلب من ذلك احتاج إلى أن يستبدل به ما يهواه، ويتخذه إلهه، وهذا من تبديل الدين، وتغيير فطرة الله التى

طور بواسطة نورين ميديا © 2015