ما ليس مثله وبين جنس آخر من المخلوقات. ولهذا لا يعرف فى محبة شيء من المحبوبات المخالفة للمحب فى الجنس ما يزيل العقل، ويفسد الإدراك، ويوجب انقطاع الإرادة لغير ذلك المحبوب، وإنما يعرف ذلك فى محبته لجنسه، فتستوعب قلبه، وتسلب لبه، ويصير لمعشوقه سامعاً مطيعاً كما قيل:
إنَّ هَوَاكَ الَّذِى بِقَلبىصَيَّرَنِى سَامِعاً مُطِيعَا
ويقوى هذا السمع والطاعة عند كثير من العشاق، حتى يبذل نفسه، ويسلمها للتلف فى طاعة معشوقه، كما يبذل المجاهد نفسه لربه، حتى يقتل فى سبيله، وإذا كان النبى صلى الله تعالى عليه وآله وسلم قد قال فى الحديث الذى رواه أحمد وغيره:
"شَارِبُ الْخَمرِ - أو قَال مُدْمِنُ الْخَمْرِ - كَعَابِدِ وَثَنٍ".
ومر على بن طالب رضى الله عنه بقوم يلعبون بالشطرنج فقال "ما هذه التماثيل التى أنتم لها عاكفون؟ ".
فما الظن بالعاشق المتيم الفانى فى معشوقه؟ ولهذا قرن الله سبحانه بين الخمر والأنصاب وهى الأصنام التى تعبد من دون الله، فقال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إنَما الْخَمَرُ وَالمَيْسِرُ وَالأنْصَابُ وَالأَزْلاَمُ رِجْسُ مِنْ عَمَلِ الشَّيطاًنِ فَاجْتَنبِوُهُ لَعَلّكُمْ تَفْلِحُونَ * إنمَا يُرِيدُ الشّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَّدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِى الْخَمْرِ وَالمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللهِ وَعَنِ الصَّلاةِ فَهَلْ أنْتُمْ مُنْتهُونَ} [المائدة: 90 - 91] .
ومعلوم أن شارب الخمر لا يدوم سكره، بل لا بد أن يفيق، ولعل أوقات إفاقته أكثر من أوقات سكره. وأما سكرة العشق فقل أن يستفيق صاحبها إلا إذا جاءت الرسل تطلبه للقدوم على الله تعالى، ولهذا استمرت سكرة اللوطية حتى فاجأهم عذاب الله وعقوبته