وخسيس، فلمعشوقه لبه وقلبه، وهمه ووقته، وخالص ماله، وربه على الفضلة، قد اتخذه وراءه ظهريا، وصار لذكره نسيا، إن قام فى خدمته فى الصلاة فلسانه يناجيه وقلبه يناجى معشوقه، ووجه بدنه إلى القبلة ووجه قلبه إلى المعشوق. ينفر من خدمة ربه حتى كأنه واقف فى الصلاة على الجمر من ثقلها عليه، وتكلفه لفعلها، فإذا جاءت خدمة المعشوق أقبل عليها بقلبه وبدنه فرحا بها، ناصحا له فيها، خفيفة على قلبه لا يستثقلها ولا يستطيلها.

ولا ريب أن هؤلاء من الذين اتخذوا من دون الله أندادا، يحبونهم كحب الله، والذين آمنوا أشد حبا لله.

وعشقهم يجمع المحرمات الأربع: من الفواحش الظاهرة، والباطنة، والإثم، والبغى بغير الحق، والشرك بالله ما لم ينزل به سلطانا، والقول على الله ما لا يعلمون، فإن هذا من لوازم الشرك، فكل مشرك يقول على الله ما لا يعلم. فكثيرا ما يوجد فى هذا العشق من الشرك الأكبر الأصغر، ومن قتل النفوس، تغايرا على المعشوق، وأخذ أموال الناس بالباطل ليصرفها فى رضا المعشوق، ومن الفاحشة والكذب والظلم مالا خفاء به.

وأصل ذلك كله من خلو القلب من محبة الله تعالى، والإخلاص له، والتشريك بينه وبين غيره فى المحبة، ومن محبة ما يحب لغير الله، فيقوم ذلك بالقلب، ويعمل بموجبه بالجوارح، وهذا هو حقيقة اتباع الهوى. وفى الأثر. "مَا تحْتَ أدِيمِ السَّماءِ إلهٌ يْعْبَدُ أَعْظَمُ عِنْدَ اللهِ مِنْ هَوًى مُتَّبَعُ".

وقال تعالى: {أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتّخَذَ إلهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلّهُ اللهُ عَلَى عْلِمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةَ فَمَنَ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللهِ أَفَلاَ تَذَكَّرُونَ} [الجاثية: 23] .

وإذا تأملت حال عشاق الصور المتيمين فيها، وجدت هذه الآية منطبقة عليهم، مخبرة عن حالهم.

قال بعض العلماء: ليس شيء من المحبوبات يستوعب محبة القلب إلا محبة الله، أو محبة بشر مثلك، أما محبة الله فهى التى خلق لها العباد، وبها غاية سعادتهم، وكمال نعيمهم وأما البشر المماثل من ذكر أو أنثى، فإن فيه من المشاكلة والمناسبة بين العاشق وبينه

طور بواسطة نورين ميديا © 2015