الإصرار على الصغيرة قد يساوى إثمه إثم الكبيرة، أو يربى عليها.

وأيضاً، فإن تعبد القلب للمعشوق شرك، وفعل الفاحشة معصية، ومفسدة الشرك أعظم من مفسدة المعصية.

وأيضاً، فإنه قد يتخلص من الكبيرة بالتوبة والاستغفار، وأما العشق إذا تمكن من القلب فإنه يعز عليه التخلص منه، كما قال القائل:

تَاللهِ مَا أسَرَتْ لَوَاحِظُكِ امْرَأً ... إلا وَعَزّ عَلَى الوَرَى استنقَاذُهُ

بل يصير تعبدا لازما للقلب لا ينفك عنه، ومعلوم أن هذا أعظم ضررا وفسادا من فاحشة يرتكبها مع كراهيته لها، وقلبه غير معبد لمن ارتكبها منه.

وقد أخبر الله سبحانه أن سلطان الشيطان إنما هو: {عَلَى الّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُمْ بِهِ مُشْرِكُونَ} [النحل: 100] .

وأن سلطانه إنما هو على من اتبعه من الغاوين، والغى اتباع الهوى والشهوات، كما أن الضلال اتباع الظنون والشبهات.

وأصل الغى من الحب لغير الله، فإنه يضعف الإخلاص به، ويقوى الشرك بقوته، فأصحاب العشق الشيطانى لهم من تولى الشيطان والإشراك به بقدر ذلك، لما فيهم من الإشراك بالله، ولما فاتهم من الإخلاص له، ففيهم نصيب من اتخاذ الأنداد، ولهذا ترى كثيرا منهم عبدا لذلك المعشوق، متيما فيه. يصرخ فى حضوره ومغيبه: أنه عبده، فهو أعظم ذكرا له من ربه، وحبه فى قلبه أعظم من حب الله فيه، وكفى به شاهدا بذلك على نفسه: {بَلِ الإِنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَه} [القيامة: 14- 15] .

فلو خير بين رضاه ورضا الله، لاختار رضا معشوقه على رضا ربه، ولقاء معشوقه أحب إليه من لقاء ربه، وتمنيه لقربه أعظم من تمنيه لقرب ربه، وهربه من سخطه عليه أشد من هربه من سخط ربه عليه، يسخط ربه بمرضاة معشوقه، ويقدم مصالح معشوقة وحوائجه على طاعة ربه، فإن فضل من وقته، وكان عنده قليل من الإيمان، صرف تلك الفضلة فى طاعة ربه، وإن استغرق الزمان حوائج معشوقه ومصالحه صرف زمانه كله فيها، وأهمل أمر الله تعالى، يجود لمعشوقه بكل نفيسة ونفيس، ويجعل لربه من ماله - إن جعل له - كل رذيلة

طور بواسطة نورين ميديا © 2015