حتى قيل: إن مثل هذا كان مشروعا فى أول الإسلام: أن المدين إذا أعسر بالدين استرقه صاحب الحق، وعليه حمل حديث بيع النبى صلى الله تعالى عليه وآله وسلم سُرَّق.

وقيل: بل كان بيعه إياه: إيجاره لمن يستعمله، وقضى دينه بأجرته، وعلى هذا فليس بمنسوخ، وهو إحدى الروايتين عن أحمد رحمه الله تعالى: أن المفلس إذا بقيت عليه ديون وله صنعة أجبر على إجارته نفسه، أو أجره الحاكم ووفى دينه من أجرته.

وكان إلهام الله تعالى لإخوة يوسف عليه السلام قولهم: {مَنْ وُجِدَ فِى رَحْلِهِ فَهُوَ جَزَاؤُهُ} [يوسف: 75] .

كيدا من الله تعالى ليوسف عليه السلام، أجراه على ألسن إخوته، وذلك خارج عن قدرته. وكان يمكنهم أن يتخلصوا من ذلك، بأن يقولوا: لا جزاء عليه، حتى يثبت أنه هو الذى سرق، فإن مجرد وجوده فى رحله لا يوجب أن يكون سارقاً.

وقد كان يوسف عليه السلام عادلا لا يأخذهم بغير حجة، وكان يمكنهم التخلص أيضا بأن يقولوا: جزاؤه أن يفعل به ما تفعلونه بالسراق فى دينكم، وقد كان من دين ملك مصر - فيما ذكر -: أن السارق يضرب ويغرم قيمة المسروق مرتين، فلو قالوا له ذلك، لم يمكنه أن يلزمهم بما لا يلزم به غيرهم، فلذلك قال سبحانه: {كَذلكَ كِدْنَا لِيُوسُفْ مَا كَانَ لِيَأْخُذُ أَخَاهُ فِى دِينِ المَلِكِ إلا أَنْ يَشَاءَ اللهُ} [يوسف: 76] .

أى ما كان ليمكنه أخذه فى دين ملك مصر، لأنه لم يكن فى دينه طريق إلى أخذه.

وقوله {إِلا أَنْ يَشَاءَ اللهُ} [يوسف: 76] .

استثناء منقطع، أى لكن إن شاء الله أخذه بطريق آخر، ويجوز أن يكون متصلا، والمعنى: إلا أن يهيئ الله سببا آخر يؤخذ به فى دين الملك غير السرقة.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015