فقابلت مكرهن القولى بهذا المكر الفعلى، وكانت هذه فى النساء غاية فى المكر.

والمقصود: أن الله سبحانه كاد ليوسف عليه السلام، بأن جمع بينه وبين أخيه، وأخرجه من أيدى إخوته بغير اختيارهم، كما أخرجوا يوسف من يد أبيه بغير اختياره. وكاد له بأن أوقفهم بين يديه موقف الذليل الخاضع المستجدى، فقالوا: {يَا أَيَّهَا الْعَزِيزُ مَسَّنَا وَأَهْلَنَا الضُّرُّ وَجِئْنَا بِبِضَاعَةٍ مُزْجَاةٍ فَأَوْفِ لَنَا الْكَيْلَ وَتَصَدَّقْ عَلَيْنَا إِنَّ اللهَ يَجْزِى المَتَصَدِّقيِنَ} [يوسف: 88] .

فهذا الذل والخضوع فى مقابلة ذله وخضوعه لهم يوم إلقائه فى الجب وبيعه بيع العبيد.

وكاد له بأن هيأ له الأسباب التى سجدوا له هم وأبوه وخالته، فى مقابلة كيدهم له، حذرا من وقوع ذلك، فإن الذى حملهم على إلقائه فى الجب خشيتهم أن يرتفع عليهم حتى يسجدوا له كلهم، فكادوه خشية ذلك. فكاد الله تعالى له حتى وقع ذلك. كما رآه فى منامه.

وهذا كما كاد فرعون بنى إسرائيل: {يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيى نِسَاءَهُمْ} [القصص: 4] .

خشية أن يخرج فيهم من يكون زوال ملكه على يديه، فكاده الله سبحانه، بأن أخرج له هذا المولود، ورباه فى بيته، وفى حجره، حتى وقع به منه ما كان يحذره، كما قيل:

وَإذَا خَشيتَ مِنَ الأُمُورِ مُقَدَّرا ... وَفَرَرْتَ مٍنْهُ، فَنَحْوَهُ تَتَوَجَّهُ

فصل

وكيد الله سبحانه لا يخرج عن نوعين.

أحدهما: أن يفعل سبحانه فعلا خارجاً عن قدرة العبد الذى كاد له، فيكون الكيد قدرا محضا، ليس من باب الشرع، كما كاد الذين كفروا، بأن انتقم منهم بأنواع العقوبات وكذلك كانت قصة يوسف عليه السلام، فإن يوسف أكثر ما قدر عليه أن ألقى الصواع فى رحل أخيه، وأرسل مؤذنا يؤذن: {أَيَّتُهَا الْعِيرُ إنَّكُمْ لَسَارِقُونَ} [يوسف: 70] فلما أنكروا قال: {فَما جَزَاؤُهُ إنْ كُنْتَمْ كَاذِبينَ قَالُوا جَزَاؤُهُ مَنْ وَجِدَ فِى رَحْلِهِ فَهُوَ جَزَاؤُهُ} [يوسف: 74] .

أى جزاؤه استعباد المسروق ماله للسارق، إما مطلقا، وإما إلى مدة. وهذه كانت شريعة آل يعقوب عليه السلام

طور بواسطة نورين ميديا © 2015