كُنْتُمْ كَاذِبِينَ} - أى ما عقوبة من ظهر عليه أنه سرقه منكم، ووجد معه؟ أى ما عقوبته عندكم وفى دينكم؟. {قَالُوا جَزَاؤُهُ مَنْ وُجِدَ فِى رَحْلِهِ فَهُوَ جَزَاؤُهُ} [يوسف: 75] .

فأخذوهم بما حكموا به على نفوسهم، لا بحكم الملك وقومه.

ومن لطيف الكيد: أن الطالب لما هم بتفتيش رواحلهم بدأ بأوعيتهم يفتشها قبل وعاء من هو معه، تطمينا لهم، وبعدا عن تهمة المواطأة.

فإنه لو بدأ بوعاء من هو فيه لقالوا: وما يدريه أنه فى هذا الوعاء دون غيره من أوعيتنا؟ وما هذا إلا بمواطأة وموافقة. فأزال هذه التهمة بأن بدأ بأوعيتهم أولا، فلما لم يجده فيها هم بالرجوع قبل تفتيش وعاء من فيه الصواع، وقال: ما أراكم سارقين وما أظن هذا أيضاً أخذ شيئاً. فقالوا: لا والله، لا ندعكم حتى تفتشوا متاعه، فإنه أطيب لقلوبكم، وأظهر لبراءتنا، فلما ألحوا عليهم بذلك فتشوا متاعه، فاستخرجوا منه الصواع. وهذا من أحسن الكيد. فلهذا قال تعالى: {كَذلِكَ كِدْنَا لِيُوسُفَ مَا كانَ لِيَأْخُذَ أَخَاهُ فِى دِينِ الملِكِ إِلا أَنْ يَشَاءَ اللهُ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ وَفَوْقَ كُلِّ ذِى عِلْمٍ عَلِيمٌ} [يوسف: 76] .

فالعلم بالكيد الواجب أو المستحب الذى يتوصل به إلى طاعة الله تعالى ورسوله، ونصر المحق وكسر المبطل مما يرفع الله به درجة العبد.

وقد ذكروا فى تسميتهم سارقين وجهين:

أحدهما: أنه من باب المعاريض، وأن يوسف عليه السلام نوى بذلك أنهم سرقوه من أبيه، حيث غيبوه عنه بالحيلة التى احتالوا بها عليه، وخانوه فيه. والخائن يسمى سارقاً، وهو من الاستعمال المشهور.

الثانى: أن المنادى هو الذى قال ذلك، من غير أمر يوسف عليه السلام.

قال القاضى أبو يعلى وغيره: أمر يوسف بعض أصحابه أن يجعل الصاع فى رحل أخيه. ثم قال بعض الموكلين به لما فقده، ولم يدر من أخذه - أيتها العير إنكم لسارقون - على ظن منهم أنهم كذلك ولم يأمرهم يوسف عليه السلام بذلك، ولعل يوسف عليه السلام قال للمنادى: هؤلاء قد سرقوا، وعنى سرقته من أبيه، والمنادى فهم سرقة الصواع، وصدق فى قوله: إنكم

طور بواسطة نورين ميديا © 2015