لسارقون - ولم يقل: صواع الملك ثم لما جاء إلى ذكر المفقود قال - نفقد الملك - وهو صادق فى ذلك، فحذف المفعول فى قوله - لسارقون - وذكره فى قوله - نفقد صواع الملك - وكذلك قال يوسف عليه السلام لما عرضوا عليه أن يأخذ أحدهم مكان أخيهم - معاذ الله أن نأخذ إلا من وجدنا متاعنا عنده - ولم يقل: أن نأخذ إلا من سرق، فإن المتاع كان موجوداً عنده، ولم يكن سارقاً. وهذا من أحسن المعاريض.
وقد قال نصر بن حاجب: سئل سفيان بن عيينة عن الرجل يعتذر إلى أخيه من الشيء الذى قد فعله، ويحرف القول فيه ليرضيه، أيأثم فى ذلك؟ فقال: ألم تسمع قوله عليه الصلاة والسلام:
"لَيْسَ بِكَاذِبٍ مَنْ أَصْلَحَ بَيْنَ النَّاسِ فَكَذَبَ فِيهِ".
فإذا أصلح بينه وبين أخيه المسلم كان خيراً من أن يصلح بين الناس بعضهم فى بعض، ذلك أنه أراد به مرضاة الله، وكراهية أذى المؤمن، ويندم على ما كان منه، ويدفع شره عن نفسه، ولا يريد بالكذب اتخاذ المنزلة عندهم، ولا طمعاً فى شئ يصيبه منهم، فإنه لم يرخص فى ذلك ورخص له إذا كره موجدتهم وخاف عداوتهم.
قال حذيفة بن اليمان رضى الله عنه "إنى أشترى دينى بعضه ببعض، مخافة أن أقدم على ما هو أعظم منه".
قال سفيان: وقال الملكان: {خَصْمَانِ بَغَى بَعْضنَا عَلَى بَعْضِ} [ص: 22] .
أراد معنى شئ ولم يكونا خصمين، فلم يصيرا بذلك كاذبين.