فى رحل أخيه بمواطأة منه له على ذلك. ولهذا قال: {فلا تَبْتَئِسْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُون} [يوسف: 69] .

ومن لطيف الكيد: أنه لم يفتش رحالهم وهم عنده، بل أمهلهم حتى جهزهم بجهازهم، وخرجوا من البلد، ثم أرسل فى آثارهم لذلك.

قال ابن أبى حاتم فى تفسيره: حدثنا على بن الحسين حدثنا محمد بن عيسى حدثنا سلمة عن ابن إسحاق قال: "أمهلهم حتى إذا انطلقواً فأمعنوا من القرية أمر فأدركوا ثم جلسوا، ثم ناداهم مناد: أيتها العير إنكم لسارقون، فوقفوا، وانتهى إليهم رسوله، فقال لهم فيما يذكرون: ألم نكرم ضيافتكم، ونوفكم كيلكم ونحسن منزلتكم، ونفعل بكم ما لم نفعله بغيركم، وأدخلنا كم علينا فى بيوتنا ومنازلنا؟ قالوا: بلى، وما ذاك؟ {قال إنكم لسارقون} .

وذكر عن السدى "فلما ارتحلوا أذن مؤذن أيتها العير".

والسياق يقتضى ذلك، إذ لو كان هذا وهم بحضرته لم يحتج إلى الأذان، وإنما يكون الأذان نداء لبعيد، يطلب وقوفه وحبسه.

فكان فى هذا من لطيف الكيد: أنه أبعد من التهمة للطالب بالمواطأة والموافقة، وأنه لا يشعر بما فقد له، فكأنه لما خرج القوم وارتحلوا، وفصلوا عن المدينة احتاج الملك إلى صواعه لبعض حاجته إليه، فالتمسه، فلم يجده، فسأل عنه الحاضرين، فلم يجدوه، فأرسلوا فى أثر القوم. فهذا أحسن وأبعد من التفطن للحيلة من التفتيش فى الحال قبل انفصالهم عنه. بل كلما ازدادوا بعدا عنه كان أبلغ فى هذه المعنى.

ومن لطيف الكيد: أنه أذن فيهم بصوت عال رفيع، يسمعه جميعهم، ولم يقل لواحد واحد منهم، إعلاماً بزن ذهاب الصواع أمر قد اشتهر، ولم يبق فيه خفاء، وأنتم قد اشتهرتم بأخذه، ولم يتهم به سواكم.

ومن لطيف الكيد: أن المؤذن قال إنكم لسارقون ولم يعين المسروق، حتى سألهم عنه القوم، فقالوا لهم: ماذا تفتقدون؟ قالوا: نفقد صواع الملك فاستقر عند القوم أن الصواع هو المتهم به، وأنهم لم يفقدوا غيره. فإذا ظهر لم يكونوا ظالمين باتهامهم بغيره. وظهر صدقهم وعدلهم فى اتهامهم به وحده، وهذا من لطيف الكيد.

ومن لطيف الكيد: قول المؤذن وأصحابه لإخوة يوسف عليه السلام – {قَالُوا فَمَا جَزَاؤُهُ إِنْ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015