وكذلك ما فعله برسله، كنوح، وإبراهيم، وموسى، وهود، وصالح، وشعيب عليهم السلام، فهو سبحانه يوصل إلى الغايات الحميدة بالأسباب التى تكرهها النفوس وتشق عليها. كما قال تعالى:
{كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كَرْهٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهْوَ خَيْرٌ لَكُمْ، وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئاً وُهُوَ شَر لَكُمْ، وَاللهُ يَعلَمُ وَأَنتمْ لا تَعلَمُونَ} [البقرة: 216] .
وربما كانَ مَكْرُوهُ النُّفُوسِ إِلَىمَحْبُوبِهَا سَبَباً مَا مِثْلَهُ سَبَبُ
وبالجملة، فالغايات الحميدة فى خبايا الأسباب المكروهة الشاقة، كما أن الغايات المكروهة المؤلمة فى خبايا الأسباب المشتهاة المستلذة، وهذا من حين خلق الله سبحانه الجنة وحفها بالمكاره، وخلق النار وحفها بالشهوات.
فصل
ومنها: أنه لما جهزهم فى المرة الثانية بجهازهم جعل السقاية فى رحل أخيه. وهذا القدر يتضمن اتهام أخيه بأنه سارق.
وقد قيل: إنه كان بمواطأة من أخيه ورضا منه بذلك، والحق كان له، وقد أذن فيه، وطابت نفسه به، ودل على ذلك قوله تعالى: {ولَمَّا دَخلُوا عَلَى يُوسُفَ آوَى إِلَيْهِ أَخَاهُ، قَالَ إِنِّى أَنَا أَخُوكَ فَلا تَبتَئِسْ بَما كَانُوا يَعْمَلُونَ} [يوسف: 69] .
فهذا يدل على أنه عَرّف أخاه نفسه.
وقد قيل: إنه لم يصرح له بأنه يوسف، وأنه إنما أراد بقوله: {إِنِّى أَنَا أَخُوكَ} [يوسف: 69] .
أى أنا مكان أخيك المفقود.
ومن قال هذا قال: إنه وضع السقاية فى رحل أخيه، والأخ لا يشعر بذلك، والقرآن يدل على خلاف هذا، والعدل يرده. وأكثر أهل التفسير على خلافه.
ومن لطيف الكيد فى ذلك: أنه لما أراد أخذ أخيه توصل إلى أخذه بما يقر إخوته أنه حق وعدل، ولو أخذه بحكم قدرته وسلطانه لنسب إلى الظلم والجور، ولم يكن له طريق فى دين الملك يأخذه بها. فتوصل إلى أخذه بطريق يعترف إخوته أنها ليست ظلما، فوضع الصواع