وفرق ثان، وهو أن المعرض لو صرح بقصده لم يكن باطلاً ولا محرماً، بخلاف المحتال، فإنه لو صرح بما قصده بإظهار صورة العقد كان محرماً باطلاً، فإن المرابى بالحيلة لو قال: بعتك مائة حالة بمائة وعشرين إلى سنة، كان حراماً باطلاً، وذلك عين مقصوده، ومقصوده الآخر.

وكذلك المقرض لو قال: أقرضتك ألفاً على أن تعيدها إلى ومعها زيادة كذا وكذا، كان حراماً باطلاً، وذلك نفس مقصوده.

وكذلك المحلل لو قال: تزوجتها على أن أحلها للمطلق ثلاثاً.

والمعرض لو صرح بمقصوده لم يكن حراماً، فأين أحدهما من الآخر؟

وفرق ثالث: وهو أن المعرض قصد بالقول ما يحتمله اللفظ، أو يقتضيه. والمحتال قصد بالعقد مالا يحتمله، ولا جعل مقتضياً له، شرعاً ولا عرفاً ولا حقيقة.

وفرق رابع: وهو أن المعرض مقصده صحيح، ووسيلته جائزة، فلا حجر عليه فى مقصوده، ولا فى وسيلته إلى مقصوده، بخلاف المحتال، فإن قصده أمر محرم، ووسيلته باطلة، كما تقدم تقريره.

وفرق خامس: وهو أن التعريض المباح ليس من مخادعة الله سبحانه فى شئ، وإنما غايته أنه مخادعة لمخلوق أباح الشارع مخادعته لظلمه، جزاء له على ذلك، ولا يلزم من جواز مخادعة الظالم جواز المحق، فما كان من التعريض لظاهر اللفظ فى نفسه كان قبيحاً إلا عند الحاجة، وما لم يكن كذلك كان جائزاً إلا عند تضمن مفسدة، والذى يدخل فى الحيل المذمومة إنما هو الأول، فالمعرض قاصد لدفع الشر، والمحتال بالباطل قاصد لدفع الحق.

والتعريض كما يكون بالقول يكون بالفعل، كما يظهر المحارب أنه يريد وجها من الوجوه، ويسافر إلى تلك الناحية، ليحسب العدو أنه لا يريده، ثم يكر عليه.

ومثل أن يستطرد المبارز بين يدى خصمه ليظن هزيمته، ثم يعطف عليه.

ومثل أن يظهر ضعفاً وعجزاً يتخلص به من تسخيره وأذاه، ونحو ذلك.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015