أن الطلاق صورته فى الشرع. حل وارد على عقد، واليمين بالطلاق عَقد فليفهم هذا. وإذا كان عقدا لم يحصل منه حل إلا أن تنقله من موضع العقد إلى موضع الحل بنية، ليخرج بها اللفظ من حقيقته إلى كنايته، فقد نجمت هذه المسألة فى أيام الحجاج بعد أن استقل الشرع بأصوله وفروعه، وحقائقه ومجازاته، فى أيمان البيعة، وليس فى أيمان الطلاق إلا ما أذكره لك. وذلك أن الطلاق على ضربين: صريح، وكناية.

فالصريح: كل لفظ استقل بنفسه فى إثبات حكمه تحديداً.

والكناية: على ضربين، كناية غالبة، وكناية غير غالبة.

فالغالبة: كل ما أشعر بثبوت الطلاق فى موضوع اللغة، أو الشرع، كقوله: الحقى بأهلك، واعتدّى.

وغير الغالبة: كل مالا يشعر بثبوت الطلاق فى وضع اللغة والشرع، كقوله: ناولينى الثوب، وقال: أردت بذلك الطلاق.

فإذا عرضنا لفظ الأيمان يلزمنى على صريح الطلاق لم تكن من قسمه، وإن عرضناها على الكناية، لم تكن من قسيمها إلا بقرينة، من شاهد حال، أو جارى عرف، أو نية تقارن اللفظ، فإن اضطرب شاهد الحال، أو جارى العرف باحتمال يحتمله، فقد تعذر الوقوف على النية، ولا ينبغى لحاكم ولا لغيره أن يمد القلم فى فتوى حتى يتأمل مثل هذه المعانى، فإن الحكم إن لم يقع مستوضحاً عن نور فكرى مشعر بالمعنى المربوط اضمحل.

ثم قال: وأنا ذاكر لك ما بلغنى فى هذه اليمين من كلام العلماء، ورأيته من أقوال الفقهاء، وهى يمين محدثة، لم تقع فى الصدر الأول.

ثم ذكر اختلاف أهل العلم فى الحلف بالأيمان اللازمة.

والمقصود: أنه ذكر الفرق الفطرى العقلى الشرعى بين إيقاع الطلاق، والحلف بالطلاق، وأنهما بابان مفترقان بحقائقهما، ومقاصدهما، وألفاظهما، فيجب افتراقهما حكماً.

أما افتراقهما بالحقيقة، فما ذكره من أن الطلاق حل وفسخ، واليمين عقد والتزام. فهما إذن حقيقتان مختلفتان، قال تعالى: {وَلكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الأَيَمانَ} [المائدة: 89] .

طور بواسطة نورين ميديا © 2015