ثم أشار إلى الافتراق فى الحكم بقوله: وإذا كانت اليمين عقداً لم يحصل بها حل، إلا أن ينقل من موضع العقد إلى موضع الحل، ومن البين أن الشارع لم ينقلها من العقد إلى الحل. فيجب بقاؤها على ما وضعت عليه، نعم لو قصد الحالف بها إيقاع الطلاق عند الحنث فقد استعملها فى العقد والحل، فتصير كناية فى الوقوع، وقد نواه. فيقع به الطلاق، لأن هذا العقد صالح للكناية. وقد اقترنت به النية، فيقع الطلاق. أما إذا نوى مجرد العقد، ولم ينو الطلاق البتة، بل هو أكره شئ إليه، فلم يأت بما ينقل اليمين من موضوعها الشرعى، ولا نقلها عنه الشارع. فلا يلزمه غير موجب الأيمان.

فليتأمل المنصف العالم هذا الفرق، ويخرج قلبه ساعة من التعصب والتقليد، واتباع غير الدليل.

والمقصود: أن باب اليمين وباب الإيقاع مختلفان فى الحقيقة والقصد واللفظ، فيجب اختلافهما فى الحكم. أما الحقيقة فما تقدم.

وأما القصد. فلأن الحالف مقصوده الحض والمنع، أو التصديق أو التكذيب، والمطلق مقصوده التخلص من الزوجة من غير أن يخطر بباله حض ولا منع، ولا تصديق ولا تكذيب. فالتسوية بينهما لا يخفى حالها.

وأما اختلافهما لفظاً، فإن لفظ اليمين لا بد فيها من التزام قَسَمِى يأتى فيه بجواب القسم، أو تعليق شرطى يقصد فيه انتفاء الشرط والجزاء، أو وقوع الجزاء على تقدير وقوع الشرط، وإن كان يكرهه، ويقصد انتفاءه، فالمقدم فى الصورة الأولى مؤخر فى الثانية، والمنفى فى الأولى ثابت فى الثانية، ولفظ الإيقاع لا يتضمن شيئاً من ذلك، ومن تصور هذا حق التصور جزم بالحق فى هذه المسألة، والله الموفق.

الطريقة السادسة: أن يزول المعنى الذى كانت اليمين لأجله، فإذا فعل المحلوف عليه بعد ذلك لم يحنث، لأن امتناعه باليمين إنما كان لعلة، فيزول بزوالها، وهذا مطرد على أصول الشرع، وقواعد مذهب أحمد وغيره ممن يعتبر النية والقصد فى اليمين، تعميما وتخصيصاً وإطلاقاً وتقييداً. فإذا حلف: لا أكلم فلانة، وكان سبب اليمين الذى هيجها كونها أجنبية، يخاف الوقوع فى عرضه بكلامها، فتزوجها. لم يحنث بكلامها، إعمالا لسبب اليمين وما هيجها

طور بواسطة نورين ميديا © 2015