فالجواب: أنا نقول، يجوز له أن يستوفى قدر حقه، لكن بطريق مباح، فأما بخيانة وطريق محرمة فلا.

وقولكم: ليس ذلك بخيانة قلنا: بل هو خيانة حقيقة، ولغة، وشرعاً، وقد سماه رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم خيانة، وغايتها أنها خيانة مقابلة ومقاصة، لا خيانة ابتداء، فيكون كل واحد منهما مسيئا إلى الآخر ظالما له، فإن تساوت الخيانتان قدراً وصفة فقد يتساقط إثمهما، والمطالبة فى الآخرة، أو يكون لكل منهما على الآخر مثل ما للآخر عليه وإن بقى لأحدهما فضل رجع به، فهذا فى أحكام الثواب والعقاب.

وأما فى أحكام الدنيا فليس كذلك، لأن الأحكام فيها مرتبة على الظواهر، وأما السرائر فإلى الله، ولهذا قال النبى صلى الله تعالى عليه وأله وسلم: "إنَّكُمْ تَخْتَصِمُونَ إلَّى، وَإنَّمَا أَنَا بَشَرٌ أَقْضِى بِنَحْوِ مِا أَسْمَعُ، وَلَعَلَّ بَعْضَكُمْ أَنْ يَكُونَ أَلْحَنَ بحُجَّتِه مِنْ بَعْضٍ، فَمنْ قَضَيْتُ لَهُ بِشَيء مِنْ حَقَّ أَخِيهِ فَلا يأّخُذْهُ، فَإِنَما أَقْطَعُ لَهُ قِطْعَةً مِنَ النَّارِ".

فأخبر صلى الله تعالى عليه وآله وسلم أنه يحكم بينهم بالظاهر، وأعلم المبطل فى نفس الأمر أن حكمه لا يحل له أخذ ما يحكم له به، وأنه مع حكمه له به فإنما يقطع له قطعة من النار، فإذا كان الحق مع هذا الخصم فى الظاهر وجب على الحاكم أن يحكم له به، ويقره بيده وإن كانت يدا عادية ظالمة عند الله تعالى، فكيف يسوغ لخصمه أن يحكم لنفسه، ويستوفى لنفسه بطريق محرمة باطلة، لا يحكم بمثلها الحاكم وإن كان محقاً فى نفس الأمر؟.

وليس هذا بمنزلة من رأى عين ماله أو أمته أو زوجته بيد غاصب ظالم، فخلصها منه قهراً، فإنه قد تعين حقه فى هذا العين، بخلاف صاحب الدين، فإن حقه لم يتعين فى تلك العين التى يريد أن يستوفى منها، ولأنه لا يتكتم بذلك، ولا يستخفى به، كما يفعل الخائن، بل يكابر صاحب اليد العادية ويغالبه، ويستعين عليه بالناس، فلا ينسب إلى خيانة، والأول متكتم مستخف، متصور بصورة خائن وسارق. فإلحاق أحدهما بالآخر باطل، والله أعلم.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015