الرَّجُلُ أَمُرُّ بهِ فَلا يُقْرِينِى، وَلا يُضَيِّفُنِى. فَيَمُرُّ بى، أفأَجْزيهِ؟ قَالَ: لا، أَقْرِهِ".
قال الترمذى: هذا الحديث حسن صحيح.
وله شاهد آخر. وهو ما رواه أبو داود من حديث بِشر بن الخصاصية، قال: "قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، إنَّ أهْلَ الصّدَقَةِ يَعْتَدُونَ عَلَيْنَا، أَفَنَكْتُمُ مِنْ أَمْوَالِنَا بِقَدْرِ مَا يعْتَدُونَ عَلَيْنَا؟ فَقَالَ: لا".
وله شاهد آخر من حديث بشر هذا أيضاً:
"قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّ لَنَا جِيرَاناً لا يَدَعُونَ لَنَا شَاذّةً، وَلا فَاذّةً إلا أَخَذُوهَا فإِذَا قَدَرْنَا لَهُمْ عَلَى شَئ أَنأْخُذُهُ؟ فَقَالَ: أَدِّ الأمَانَة إلى مَنِ ائْتَمَنكَ وَلا تخُنْ مَنْ خَانَك".
ذكره شيخنا فى كتاب إبطال التحليل.
فهذه الآثار، مع تعدد طرقها واختلاف مخارجها، يشد بعضها بعضاً، ولا يشبه الأخذ فيها الأخذ فى الموضعين اللذين أباح رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم فيهما الأخذ لظهور سبب الحق، فلا يُنسب الآخذ إلى الخيانة، ولا يتطرق إليه تهمة، ولتعسر الشكوى فى ذلك إلى الحاكم، وإثبات الحق والمطالبة به والذين جوزوه يقولون: إذا أخذ قدر حقه من غير زيادة، لم يكن ذلك خيانة، فإن الخيانة أخذ ما لا يحل له أخذه، وهذا ضعيف جداً، فإنه يبطل فائدة الحديث. فإنه قال: "ولا تَخُنْ مَنْ خانَكَ" فجعل مقابلته له خيانة، ونهاه عنها، فالحديث نص، بعد صحته.
فإن قيل: فهلا جعلتموه مستوفياً لحقه بنفسه، إذ عجز عن استيفائه بالحاكم، كالمغصوب ماله. إذا رآه فى يد الغاصب، وقدر على أخذه منه قهراً؟ فهل تقولون: إنه لا يحل له أخذ عين ماله، وهو يشاهده فى يد الظالم المعتدى؟ ولا يحل له إخراجه من داره وأرضه؟.
وكذلك إذا غصب زوجته وحال بينه وبينها، وعقد عليها ظاهراً، بحيث لا يتهم فهل يحرم على الزوج الأول انتزاع زوجته منه، خشية التهمة؟ وهذا لا تقولونه أنتم، ولا أحد من أهل العلم.
ولهذا قال الشافعى، وقد ذكر حديث هِنْدٍ: وإذ قد دلت السنة وإجماع كثير من أهل العلم على أن يأخذ الرجل حقه لنفسه سراً، فقد دل أن ذلك ليس بخيانة. إذ الخيانة أخذ ما لا يحل له أخذه.