فصل

القسم الخامس من الحيل.

أن يقصد حل ما حرمه الشارع، أو سقوط ما أوجبه، بأن يأتى بسبب نصبه الشارع سبباً إلى أمر مباح مقصود، فيجعله المحتال المخادع سبباً إلى أمر محرم مقصود اجتنابه. فهذه هى الحيل المحرمة التى ذمها السلف، وحرموا فعلها وتعليمها.

وهذا حرام من جهتين: من جهة غايته، ومن جهة سببه.

أما غايته: فإن المقصود به إباحة ما حرمه الله ورسوله، وإسقاط ما أوجبه.

وأما من جهة سببه: فإنه اتخذ آيات الله هزواً، وقصد بالسبب ما لم يشرع لأجله، ولا قصده به الشارع، بل قصد ضده، فقد ضاد الشارع فى الغاية والحكمة والسبب جميعا.

وقد يكون أصحاب القسم الأول من الحيل أحسن حالاً من كثير من أصحاب هذا القسم، فإنهم يقولون: إن ما نفعله حرام، وإثم، ومعصية، ونحن أصحاب تحيل بالباطل، عصاة لله ورسوله، مخالفون لدينه. وكثير من هؤلاء يجعلون هذا القسم من الدين الذى جاءت به الشريعة، وأن الشارع جوز لهم التحيل بالطرق المتنوعة على إباحة ما حرمه، وإسقاط ما أوجبه، فأين حال هؤلاء من حال أولئك؟.

ثم إن هذا النوع من الحيل يتضمن نسبة الشارع إلى العبث، وشرع ما لا فائدة فيه إلا زيادة الكلفة والعناء، فإن حقيقة الأمر عند أرباب الحيل الباطلة: أن تصير العقود الشرعية عبثا لا فائدة فيها، فإنها لم يقصد بها المحتال مقاصدها التى شرعت لها، بل لا غرض له فى مقاصدها وحقائقها البتة، وإنما غرضه التوصل بها إلى ما هو ممنوع منه، فجعلها سترة وجنة يتستر بها من ارتكاب ما نهى عنه صرفاً، فأخرجه فى قالب الشرع.

كما أخرجت الجهمية التعطيل فى قالب التنزيه.

وأخرج المنافقون النفاق فى قالب الإحسان والتوفيق والعقل المعيشى.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015