وقد قدمنا أن الضرر والمفاسد الحاصلة من تلك المحرمات لا يزول بالاحتيال والتنقيب عليها، بل تقوى وتشتد مفاسدها.

فصل

إذا عرف هذا. فالطرق التى تتضمن نفع المسلمين، والذب عن الدين، ونصر المظلومين، وإغاثة الملهوفين، ومعارضة المحتالين بالباطل ليدحضوا به الحق، من أنفع الطرق، وأجلها علماً وعملاً وتعليما. فيجوز للرجل أن يظهر قولاً أو فعلاً مقصوده به مقصود صالح، وإن ظن الناس أنه قصد به غير ما قصد به، إذا كان فيه مصلحة دينية، مثل دفع ظلم عن نفسه أو عن مسلم، أو معاهد، أو نصرة حق، أو إبطال باطل، من حيلة محرمة، أو غيرها، أو دفع الكفار عن المسلمين أو التوصل إلى تنفيذ أمر الله تعالى ورسوله.

فكل هذه طرق جائزة أو مستحبة، أو واجبة.

وإنما المحرم: أن يقصد بالعقود الشرعية غير ما شرعت له، فيصير مخادعاً له، فهذا مخادع لله ورسوله، وذلك مخادع للكفار والفجار، والظلمة، وأرباب المكر والاحتيال. فبين هذا الخداع وذاك الخداع من الفرق كما بين البر والإثم، والعدل والظلم، والطاعة والمعصية، فأين من قصده إظهار دين الله تعالى، ونصر المظلوم، وكسر الظالم إلى من قصده ضد ذلك؟.

إذا عرف هذا، فنقول: الحيل أقسام:

أحدها: الطرق الخفية التى يتوصل بها إلى ما هو محرم فى نفسه، فمتى كان المقصود بها محرماً فى نفسه، فهى حرام باتفاق المسلمين، وصاحبها فاجر ظالم آثم. وذلك كالتحيل على هلاك النفوس. وأخذ الأموال المعصومة، وفساد ذات البين، وحيل الشياطين على إغواء بنى آدم، وحيل المخادعين بالباطل على إدحاض الحق، وإظهار الباطل فى الخصومات الدينية والدنيوية. فكل ما هو محرم فى نفسه، فالتوصل إليه محرم بالطرق الظاهرة والخفية، بل التوصل إليه بالطرق الخفية أعظم إثما، وأكبر عقوبة، فإن

طور بواسطة نورين ميديا © 2015