إذا كان بيعاً حاضراً فيه التقايض من الجانبين، يأمن به كل واحد من المتبايعين من جحود الآخر ونسيانه. ثم أمرهم مع ذلك بالإشهاد إذا تبايعوا، خشية الجحود وغدر كل واحد منهما بصاحبه فإذا أشهدا على التبايع أمنا ذلك. ثم نهى الكاتب والشهيد عن أن يضارا، إما بأن يمتنعا من الكتابة والشهادة تحملاً وأداء، أو أن يطلبا على ذلك جعلا يضر بصاحب الحق، أو بكتم الشاهد بعض الشهادة، أو يؤخر الكتابة والشهادة تأخيراً يضر بصاحب الحق، أو يمطلاه، ونحو ذلك، أو هو نهى لصاحب الحق أن يضار الكاتب والشهيد، بأن يشغلهما عن ضرورتهما وحوائجهما، أو يكلفهما من ذلك ما يشق عليهما. ثم أخبر أن ذلك فسوق بفاعله. فهذا كله عند القدرة على الكتاب والشهود. ثم ذكر ما تحفظ به الحقوق عند عدم القدرة على الكتاب والشهود، وهو السفر فى الغالب، فقال سبحانه: {وَإِنْ كُنْتُمْ عَلَى سَفَرٍ وَلَمْ تَجِدُوا كاتِباً فَرِهَانٌ مَقبُوضَةٌ} [البقرة: 283] .
فدل ذلك دلالة بينة أن الرهان قائمة مقام الكتاب والشهود، شاهدة مخبرة بالحق، كما يخبر به الكتاب والشهود. وهذا، والله أعلم، سر تقييد الرهن بالسفر، لأنه حال يتعذر فيها الكتاب الذى ينطق بالحق غالباً، فقام الرهن مقامه، وناب منابه، وأكد ذلك بكونه مقبوضاً للمرتهن حتى لا يتمكن الراهن من جحده. فلا أحسن من هذه النصيحة، وهذا الإرشاد والتعليم، الذى لو أخذ به الناس لم يضع فى الأكثر حق أحد، ولم يتمكن المبطل من الجحود والنسيان. فهذا حكمه سبحانه المتضمن لمصالح العباد فى معاشهم ومعادهم.
والمقصود: أنه لو لم يقبل قول المرتهن على الراهن فى قدر الدين لم يكن وثيقة ولا